كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

فَرَوَّاغُون كالثعالب، أما تخافون مقت الله! ولا عَيْبَهَا وعارها1! ".
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال: "أصاب الله بك المراشد، وجنبك المكاره، ووفقك لما تحمد وروده وصدوره، قد سمعنا مقالتك، وانتهينا إلى أمرك، وسمعنا لك، وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري، فمن أحب أن يوافيني فليوافِ" ثم مضى لوجهه، إلى النخيلة.
وقام ثلاثة آخرون من أصحاب الحسن، فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم، وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم، فقال لهم: صدقتم رحمكم الله، ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودة الصحيحة، فجزاكم الله خيرًا، ثم نزل، وخرج الناس، فعسكروا ونشطوا للخروج، وسار الحسن في عسكر عظيم، وعدة حسنة.
"شرح ابن أبي الحديد م4: ص14"
__________
1 أي عار فعلتكم هذه: وهي تقاعسهم عن إجابة الحسن إلى ما دعاهم إليه، وفي الأصل: "وعارتها" وأراه محرفا إذ العارة هي العارية ولا معنى لها هنا.
4- خطبة الحسن وقد جنح إلى مصالحة معاوية:
ثم نزل الحسن ساباط1، فلما أصبح نادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر، فخطبهم فقال:
"الحمد لله كلما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد، وأشهد أن محمدًا رسول الله، أرسله بالحق، وائتمنه على الوحي، صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه، وأنا أنصح خلقه لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة، ولا مريدًا له بسوء ولا غائلة2، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرًا من نظركم
__________
1 ساباط كسرى بالمدائن.
2 الغائلة: الشر والفساد والداهية.

الصفحة 10