كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه محبته ورضاه إن شاء الله" ثم نزل.
فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنه يريد أن يصالح معاوية ويكل الأمر إليه، كفر والله الرجل، ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه، حتى أخذوا مصلاه من تحته، وشد عليه بعضهم، فنزع مطرفه1 عن عاتقه، فبقي جالسًا متقلدًا سيفًا بغير رداء، فدعا بفرسه فركبه، وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته، ومنعوا منه من أراده، ولاموه وضعّفوا لما تكلم.
فلما مر في مظلم2 ساباط، قام إليه رجل من بني أسد يقال له: جراح بن سنان، وبيده معول3، فأخذ بلجام فرسه وقال: الله أكبر يا حسن! أشرك أبوك، ثم أشركت أنت! وطعنه بالمعول، فوقعت في فخذه فشقته، حتى بلغت أَرْبِيَّتَهُ4، وسقط الحسن إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه فخرَّا جميعًا إلى الأرض.
"شرح ابن أبي الحديد م4: ص14"
__________
1 رداء من خز مربع ذو أعلام.
2 مظلم مضاف إلى ساباط التي قرب المدائن: موضع هناك.
3 المعول: الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر.
4 الأربية: أصل الفخذ
5- خطبته يبرر مصالحته لمعاوية:
لما رأى الحسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تفرق الأمر عنه، بعث إلى معاوية يطلب الصلح، فبعث معاوية إليه رسولين، قدما عليه بالمدائن، فأعطياه ما أراد، وصالحاه على أن يأخذَ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف –في أشياء اشترطها- ثم قام الحسن في أهل العراق فقال:
"يا أهل العراق، إنه سخّى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي".
"تاريخ الطبري 6: 92، ومروج الذهب 2: 53".

الصفحة 11