كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

الأسارى، أن بنا هوانًا على الله، وبك عليه كرامة؟ وأن هذا لعظيم خطرك؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفي1، جذلان فرحًا، حين رأيت الدنيا مستوسقة لك، والأمور متسقة2 عليك، وقد أُمْهِلْتَ ونُفِّسْتَ3، وهو قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي 4 لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أمن العدل، يابن الطلقاء تخديرك5 نساءك وإماءك وسوقك بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد هتكتَ ستورهن، وأصحلتَ6 صوتهن، مكتئبات تخدي7 بهن الأباعر، ويحدو8 بهن العادي، من بلد إلى بلد، لا يراقبن ولا يؤوين، يتشوفهن9 القريب والبعيد، ليس معهن ولي10 من رجالهن، وكيف يُستبطأ في بغضتنا من نظر إلينا بالشنف11 والشنآن، والإحن والأضغان؟ أتقول: "ليت أشياخي ببدر شهدوا" غير متأثم ولا مستعظم؟ وأنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك12، ولم لا تكون كذلك وقد نكأت13 القرحة، واستأصلت الشأفة14، بإهراقك دماء ذرية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونجوم
__________
1 أي جانبيك، وهو كناية عن إعجابه بنفسه.
2 من استوسقت الإبل: أي اجتمعت، ومتسقة: منتظمة.
3 أي فسح لك في أمرك، من نفس الله كربته: فرجها.
4 نمهل.
5 صونهن في خدورهن.
6 أبححته، صحل صوته كفرح: بح.
7 خدى البعير والفرس كجرى: أسرع وزج بقوائمه، أو هو ضرب من سيرهما.
8 يسوق.
9 يتطاول وينظر إليهن ويشرف عليهن.
10 قريب أو نصير.
11 سبق تفسيره، وفي الأصل "بالشنق" وهو تحريف "والشنق: أن تكف البعير بزمامه حتى تلزق ذفراه بقادمة الرحل، والذفرى بكسر الذال: العظم الشاخص خلف الأذن"، والشنآن: الكراهية، والإحن: الأحقاد.
12 المخصرة: ما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب.
13 نكأ القرحة كمنع: قشرها قبل أن تبرأ فنديت، كناية عن نبشه عما كاد ينسى من العداوة بين بني هاشم وبني أمية.
14 الشأفة: قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى، فتذهب، واستأصل الله شأفته: أذهبه كما تذهب تلك القرحة.

الصفحة 137