كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)
الأرض من آل عبد المطلب، ولتردنَّ على الله وشيكا1 موردهم، ولتودن أنك عميت وبكمت وأنك لم تقل: "فاستهلوا وأهلوا فرحا" اللهم خذ بحقنا، وانتقم لنا ممن ظلمنا، والله ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك، وسترد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برغمك2. وعترته ولحمته في حظيرة القدس3 يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث4. وهو قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وسيعلم من بوأك5 ومكنك من رقاب المؤمنين -إذا كان الحَكَمَ اللهُ، والخصمَ محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجوارحك شاهدة عليك فبئس للظالمين بدلا- أيكم شر مكانا وأضعف جندا، مع أني والله يا عدو الله وابن عدوه، أستصغر قدك، وأستعظم تقريعك6، غير أن العيون عبرى والصدور حرى7، وما يجزي ذلك أو يغني عنا؛ وقد قتل الحسين عليه السلام، وحزب الشيطان8 يقربنا إلى حزب السفهاء9، ليعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله، فهذه الأيدي تنطف10 من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلب11 من لحومنا، وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفَلَوَات12، فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذن مغرمًا، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، تستصرخ13 يابن مرجانة، ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك.
__________
1 سريعا.
2 الرغم: الذل.
3 العترة: رهط الرجل وعشريته الأدنون، واللحمة: القرابة، والقدس: الطهر، أي في الجنة.
4 التفرق.
5 أي أحلك في كرسي الخلافة وهو معاوية.
6 التقريع: التأنيب.
7 عين عبرى: جرت عبرتها، والصدور حرى: شديد الحرارة، كناية عن شدة الحزن.
8 تريد عبيد الله بن زياد ورجاله.
9 أي إلى يزيد وشيعته.
10 نطف الماء كنصر وضرب: سال، ونطف كفرح، وعني: تلطخ بعيب.
11 تحلب العرق: سال وتحلب بدنه عرقا: سال عرقه.
12 الزواكي: جمع زاكية من زكا إذا صلح وتنعم، واعتام: أخذ العيمة بالكسر وهي خيار المال، وعسل الذئب عسلانا كجرى جريانا: أعنق وأسرع، والعاسل: الذئب وجمعه كركع وفوارس، والمراد هنا معنى الجمع لا المصدر: أي ذؤبان الفلوات، ولم أجد في كتب اللغة لعاسل جمعا غير هذين، إلا أن يراد بالمصدر الوصف.
13 تستغيث