كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

فخركم علينا بالإمارة، فإن الله تعالى يقول: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا 1 مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} .
ثم قام الحسن فنفض ثوبه فانصرف؛ فعلق عمرو بن العاص بثوبه وقال: يا أمير المؤمنين قد شهدت قوله في وقذفه أمي بالزنا، وأنا مطالب له بحد القذف.
فقال معاوية: خل عنه، لا جزاك الله خيرًا، فتركه، فقال معاوية: قد أنبأتكم أنه ممن لا تطاق عارضته، ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني، والله ما قام حتى أظلم علي البيت، قوموا عني؟ لقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم، وعدولكم عن رأي الناصح المشفق، والله المستعان.
"شرح ابن أبي الحديد م2 ص101"
__________
1 أي كثرنا، أمره: كنصره، وآمره: كثره، "وفي قراءة: آمرنا" أو المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا وعصوا، وقد يكون من الإمارة أي جعلناهم أمراء.
19- رثاء محمد بن الحنفية لأخيه الحسن
لما مات الحسن بن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أدخله قبره الحسين ومحمد بن الحنفية1 وعبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، ثم وَقَفَ محمدٌ على قبره، وقد اغرورقت عيناه، وقال:
"رحمك الله أبا محمد فلئن عزَّتْ حياتُك لقد هَدَّتْ وفاتُك، ولنعم الروحُ روحٌ تضمَّنَهُ بدنُك، ولنعم الجسدُ جسدٌ تضمنه كفنك، ولنعم الكفنُ كفنٌ تضمنه لحدُك، وكيف لا تكون كذلك، وأنت سليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء2؛ وخلف
__________
1هو محمد بن علي بن أبي طالب: والحنفية أمه، وهي امرأة من بني حنيفة بن لجيم وتسمى خولة بنت جعفر، وتوفي سنة 81، وقيل سنة 83، وقيل سنة 72، وقيل سنة 73.
2 الكساء: هو كساء آل محمد صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يضافون إليه، فيقال: "آل الكساء" وهم النبي عليه الصلاة والسلام، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قال ديك الجن:
والخمسة الغر أصحاب الكساء معا ... خير البرية من عجم ومن عرب

الصفحة 31