كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

أهل التقوى، وجدك النبي المصطفى، وأبوك علي المرتضى، وأمك فاطمة الزهراء،
__________
= وقال أبو عثمان الخالدي:
أعاذل إن كساء التقى ... كسانيه حبي لأهل الكساء
ومن قصة هذا الكساء ما روت الرواة من أن وفدًا من نصارى نجران قدموا على النبي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان مما جرى بينهم وبينه أن قالوا: يا محمد لم تعيب عيسى وتسميه عبدًا؟ فقال: أجل عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم، قالوا: فأرنا مثله، يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير، وبايعنا على أنه ابن الله، ونحن نبايعك على أنك رسول الله، فقال رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: معاذَ اللهِ أن يكون لله ولد أو شريك، فما زالوا يحاجونه ويلاحونه حتى أنزل الله: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ} أي في عيسى {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} فقال لهم: إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم –والمباهلة الملاعنة- فقالوا: يا أبا القاسم، بل نرجع، فننظر في أمرنا، ثم نأتيك، فلما رجعوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم "وهو أحد رؤسائهم. قال ياقوت في معجمه: ووفد على النبي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد نجران وفيهم السيد واسمه وهب، والعاقب واسمه عبد المسيح، والأسقف وهو أبو حارثة، وأراد رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباهلتهم، فامتنعوا.. الخ" يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال "والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدًا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم "أي عيسى" والله ما بَاهَلَ قومٌ نبيًّا قطُ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لكان الاستئصال، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم" وكان رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج وعليه مرط من شعر أسود "والمرط بالكسر كساء من صوف أو خز" وقد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خلفها، وهو يقول "إذا دعوتُ فأمنوا" فقال أسقف نجران" "يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله لها، فلا تباهلوا، فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة" ثم قالوا. يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك" فقال عليه الصلاة والسلام: "فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين" فأبوا، فقال: فإني أناجزكم القتال، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة، ألفًا في صفر وألفًا في رجب، وثلاثين درعًا عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: "والذي نفسي بيده، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارًا، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على رءوس الشجر، ولَمَا حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا، وروي أنه عليه الصلاة والسلام لما خرج في المرط الأسود جاء الحسن، فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فمن ذلك الوقت سُمِّيَ الخمسة أصحاب الكساء "انظر كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي ص483 وتفسير الفخر الرازي مفاتيح الغيب 2: 699"

الصفحة 32