كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

"إنه لا يُصلِح ما ترى إلا الغَشْم1، إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين" فقال: "أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله" ثم نزل.
وكتب عبد الله بن مسلم وغيره إلى يزيد أن يبعث إلى الكوفة رجلا قويًّا غير النعمان، فبعث إلى عبيد الله بن زياد –وكان على البصرة- وضم إليه الكوفة، فسار إليها، فلما نزل القصر نودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فخرج إليهم.
__________
1 الغشم: الظلم، والمراد الشدة.
23- خطبة عبيد الله بن زياد:
فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد، فإن أمير المؤمنين "أصلحه الله" ولَّانِي مِصْرَكُم وَثَغْرَكُم1، وأَمَرَنِي بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متبع فيكم أمره، ومنفذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البَرِّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري، وخالف عهدي، فَلْيُبْقِ امرؤٌ على نفسِهِ، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد".
ثم نزل فأخذ العرفاء2 والناس أخذًا شديدًا، وبلغ ذلك مسلم بن عقيل، فخرج من دار المختار، حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي لائذًا به، ونمى خبره إلى ابن زياد، فبعث إلى هانئ فجاءه، فأمره أن يأتيه بمسلم، فقال: لا والله لا أجيئك به أبدًا أن أجيئك بضيفي تقتله! وطال بينهما اللجاج في ذلك، فضربه ابن زياد بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده، حتى كسر أنفه، وسيل الدماء على ثيابه، ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته، حتى كسر القضيب، ثم أمر بحبسه.
__________
1الثغر: موضع المخافة من فروج البلدان.
2 جمع عريف، وهو رئيس القوم سُمِّي لأنه عرف بذلك أو النقيب وهو دون الرئيس.

الصفحة 38