كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

24- خطبة أخرى له:
ولما ضرب عبيد الله هانئًا وحبسه، خشي أن يثب الناس به، فخرج، فصعد المنبر ومعه أشراف الناس، وشرطه، وحشمه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد، أيها الناس: فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم، ولا تختلفوا، ولا تفرقوا، فتهلكوا وتذلوا وتقتلوا، وتجفوا وتحرموا، إن أخاك من صدقك، وقد أعذر من أنذر".
وبلغ مسلم بن عقيل خبر ضرب هانئ وحبسه، فأمر أن ينادى في أصحابه -وكان قد بايعه من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفًا- وأقبل نحو القصر، فتحرز فيه ابن زياد وغلق الأبواب، وبعث إلى الأشراف فجمعهم إليه، ثم قال: "أشرفوا على الناس، فَمَنُّوا أهل الطاعة الزيادةَ والكرامةَ، وخَوِّفُوا أهل المعصية الحرمانَ والعقوبةَ، وأعلموهم فصولَ1 الجنود من الشأم إليهم".
__________
1 فصل من البلد فصولا: خرج منه.
25- خطبة كثير بن شهاب:
فتكلم كثير بن شهاب أول الناس فقال:
"أيها الناس: الحقوا بأهاليكم، ولا تعجلوا الشرَّ، ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى اللَّهَ الأميرُ عهدًا لئن تممتم1 على حربه، ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء، ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع، وأن يأخذ البريء بالسقيم، والشاهد بالغائب، حتى لا يبقى له فيكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جرت2 أيديها".
__________
1 يقال: تممت على الأمر، أي استمررت عليه.
2 جر جريرة: اجترم جريمة.

الصفحة 39