كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

وتكلم الأشراف بنحو من كلام هذا، فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون وينصرفون عن ابن عقيل، حتى أمسى وما معه إلا ثلاثون نفسًا، فخرج متوجها نحو أبواب كندة، فبلغ الأبواب ومعه منهم عشرة، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان، فمضى على وجهه في أزقة الكوفة، حتى انتهى إلى باب عجوز، فسألها أن تؤويه، فآوته في دارها.
خطبة أخرى لعبيد الله بن زياد
...
26- خطبة عبيد الله بن زياد:
ولما انفضت جموع ابن عقيل، خرج عبيد الله بن زياد إلى المسجد، وأمر فنودي: "ألا برئتِ الذمةُ من رجل صَلَّى العتمةَ1 إلا في المسجد"، فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ من الناس، فصلى بهم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد: فإن ابن عقيل السفيه الجاهل، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، ومن جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله، والزموا طاعتكم وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.
يا حصين بن نمير2، ثكلتك3 أمك إن صَاحَ4 بابَ سكةٍ من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غدًا واستبِرِ الدورَ5، وجُسْ خلالها، حتى تأتيني بهذا الرجل" ثم نزل.
وأصبح ابن تلك العجوز التي آوت مسلما، فدل على مكانه، فبعث ابن زياد محمد بن الأشعث في ستين أو سبعين رجلا فأتى به، وأمر به، فأصعد إلى أعلى القصر، وضرب
__________
1 العتمة: وقت صلاة العشاء.
2 وكان على شرط ابن زياد.
3 ثكله: فقده.
4 صاحه يصوحه فانصاح: أي شقه فانشق، والمراد: فتح باب سكة وهرب.
5 سبر الجرح وغيره واستبره: امتحن غوره.

الصفحة 40