كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

أخرج من الحجاز إلى العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر معي شيء، وأن الناس لم يعدلوه1 بي، فود أني خرجتُ منها لتخلوَ له".
فلما كان من العشي أو من الغدِ، أتى الحسينَ عبدُ الله بنُ العباس، قال:
"يابن عم، إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذه الوجه الهلاك والاستئصال، إن أهل العراق قومٌ غُدُرٌ2، فلا تقربنهم، أقم بهذا البلد، فإنك سيد أهل الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا، فاكتب إليهم فَلْيَنفُوا عدوهم، ثم أقدم عليهم، فإن أبيت إلا أن تخرج، فسر إلى اليمن، فإن بها حصونًا وشعابًا3 وهي أرض عريضة طويلة، ولأبيك بها شيعة، وأنت عن الناس في عزلة، فتكتب إلى الناس وترسل، وتبث دعاتك، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية.
فقال له الحسين: "يابن عم، إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ولكني قد أزمعت وأجمعت4 على المسير" فقال له ابن عباس: "فإن كنت سائرًا، فلا تسر بنسائك وصبيتك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان، ونساؤه وولده ينظرون إليه" ثم قال ابن عباس: "لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه والحجاز، والخروج منها، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك5، والله الذي لا إله إلا هو، لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس أطعتني، لفعلت ذلك" ثم خرج ابن عباس من عنده، فمر بعبد الله بن الزبير فقال: قرت عينك يابن الزبير، ثم قال:
__________
1 أي لم يسووه.
2 جمع غدور كصبور.
3 الشعب بالكسر: الطريق في الجبل، وما انفرج بين جبلين.
4 يقال: أجمعت السفر، وأجمعت عليه، وأزمعت السفر وعليه عزمت عليه وثبت عليه همي.
5 أي مع وجودك.

الصفحة 43