كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

أنت تريد أن تسير إلى الذين عدوا على أبيك وأخيك، تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق، ومن هو أعد منك وأقوى، والناس منه أخوف، وله أرجى، فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطغوا الناس بالأموال، وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره، فاذكر الله في نفسك.
فقال الحسين: "جزاك الله خيرًا يابن عم، فقد أجهدك رأيك، ومهما يقضِ الله يكن" فقال: "وعند الله نحتسب أبا عبد الله".
29- خطبة عبيد الله بن زياد:
ولما نمى إلى عبيد الله بن زياد خبر الكتاب الذي كتبه الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى أشراف البصرة يستنصرهم صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد فوالله لا تقرن بي الصعبة، ولا يقعقع لي بالشنان1، وإني لنكل2 لمن عاداني، وسُمٌّ لمن حاربني، أنصف القارة3 من راماها.
يأهل البصرة: إن أمير المؤمنين ولاني الكوفة، وأنا غاد إليها الغداة؛ وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان، وإياكم والخلاف والإرجاف، فوالذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف، لأقتلنه وعريفه ووليه، ولآخذن الأدنى بالأقصى حتى تستمعوا لي، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق.
أنا ابن زياد، أشبهته من بين من وطئ الحصى، ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم".
__________
1 القعقعة: تحريك الشيء اليابس الصلب مع صوت، والشنان: جمع شن بالفتح، وهو القربة البالية، وإذا قعقع بالشنان للإبل نفرت. وهو مثل يضرب لمن لا يروعه ما لا حقيقة له.
2 يقال إنه لنكل شره: أي ينكل به أعداؤه.
3 القارة: قبيلة، وهم قوم رماة.

الصفحة 45