كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

"قد سمعنا -هداك الله- بابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها" فدعا له الحسين، ثم قال له خيرًا.
34- خطبة للحسين أيضًا:
وخطب الحسين أصحابه وأصحاب الحُرِّ بالبيضة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الناس، إن رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحلا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنة رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله" ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيّر، وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني1 ولا تخذلوني، فإن تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنتِ رسولِ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بِنُكر2؛ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرورُ من اغترَّ بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
__________
1 أسلمه: خذله.
2 النكر بضم وبضمتين: المنكر.

الصفحة 48