كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)

وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضًا في وجه واحد، فقالوا: "والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحن قتلنا كنا وفينا، وقضينا ما علينا".
38- خطبته غداة يوم قتله:
وخطب الحسين غداة اليوم الذي استشهد فيه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"يا عباد الله، اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت على أحد، أو بقي عليها أحد، لكانت الأنبياء أحق بالبقاء، وأولى بالرضاء، وأرضى بالقضاء، غير أن الله تعالى خلق الدنيا للفناء، فجديدها بالٍ، ونعيمها مضمحلّ، وسرورها مكفهر، والمنزل تَلْعَة1، والدار قُلْعَة2، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلكم تفلحون".
__________
1 التلعة: مجرى الماء من أعلى الوادي إلى بطون الأرض، والنزول بالتلعة مخوف، لأن من نزلها فهو على خطر إن جاء السيل جرفه.
2 الدنيا دار قُلْعَة: أي انقلاع، وهو على قلعة أي رحلة، ومنزلنا منزل قلعة أي ليس بمستوطن، أو لا نملكه أو لا ندري متى نتحول عنه.
39- دعاؤه وقد صَبَّحَتُهُ الخيل:
ولما صَبَّحَتُهُ الخيل رفع يديه فقال:
"اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثِقَةٌ وَعُدَّة، كم من هَمٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتَقِلُّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديقُ، ويشمت فيه العدو، أَنْزَلْتُهُ بِكَ، وَشَكَوْتُهُ إليك؛ رغبةً مني إليك عمن سواك، فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ، فأنت وليُّ كلِّ نعمةٍ، وصاحبُ كلِّ حسنةٍ، ومنتهَى كلِّ رغبة".

الصفحة 51