كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 2)
ومأوى الأيتام، ومنتهى الإحسان، ومحل الإيمان، وكهف1 الضعفاء، ومعقل الحنفاء2، قام بحق الله عَزَّ وَجَلَّ صابرًا محتسبًا3، حتى أوضح الدين، وفتح البلاد وأمَّنَ العباد، فأعقب الله على من ينقصه اللعنة إلى يوم الدين". قال: "فما تقول في عثمان؟ " قال: "رحم الله أبا عمرو كان والله أكرم الجعدة4، وأفضل البررة، هجادًا5 بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاضًا عند كل مكرمة، سباقًا إلى كل منحة، حييًّا أبيًّا وفيًّا، صاحب جيش العسرة6، وخَتَنَ7 رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعقب اللهُ على من يلعنه لعنة اللاعنين، إلى يوم الدين" قال: "فما تقول في علي؟ " قال: رضي الله عن أبي الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، ومحمل الحجا8، وبحر الندى، وطود النهى9، وكهف العلا، للورى داعيًا إلى المحجة10، متمسكًا بالعروة الوثقى، خير من آمن واتقى، وأفضل من تقمص وارتدى، وأبر من انتعل وسعى11، وأفصح من تنفس وقرا، وأكثر من شهد النجوى -سوى الأنبياء والنبي المصطفى- صاحب القبلتين، فهل يوازيه أحد؟ وأبو السبطين12 فهل يقارنه بشر، وزوج خير النسوان13، فهل يفوقه قاطن بلد؟ للأسود قتال، وفي الحروب ختال14، لم تر عيني مثله ولن ترى، فعلى من انتقصه
__________
1 الكهف: الملجأ، وكذا المعقل.
2 جمع حنيف، وهو الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه.
3 احتسب بكذا أجرًا عند الله: اعتده ينوي به وجه الله.
4 الكرام، يقال للكريم: جعد بفتح فسكون، فأما إذا قيل فلان جعد اليدين أو جعد الأنامل فهو البخيل، وربما لم يذكروا معه اليد.
5 الهجاد والهجود: بفتح الهاء، والمتهجد: المصلي بالليل.
6 تقدم شرحه في خطبة ذي الكلاع الحميري. راجع الجزء الأول ص340.
7 أي صهره وقد تزوج السيدة رقية والسيدة أم كلثوم ابنتي رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
8 المحمل في الأصل: شقان على البعير يحمل فيهما العديلان، والحجا: العقل والفطنة.
9 الطود: الجبل، والنهى العقل.
10 الطريق الواضح.
11 في الأصل "واسعا" وهو تحريف.
12 الحسن والحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، وهما سبطا رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "والسبط ولد الولد".
13 السيدة فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
14 خداع، من الختل: وهو الخداع، والمراد أنه ذو بصر بالحروب.