كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 2)

ولما مات الفائز وتولى العاضد مكانه استمر الصالح على وزارته وزادت حرمته وتزوج العاضد ابنته، فاغتر بطول السلامة، وكان العاضد تحت قبضته وفي أسره، فلما طال عليه ذلك أعمل الحيلة في قتله، فاتفق مع قوم من أجناد الدولة يقال لهم أولاد الراعي وتقرر ذلك بينهم، وعين لهم موضعاً في القصر يجلسون فيه مستخفين، فإذا مر بهم الصالح ليلاً أو نهاراً قتلوه، فقعدوا له ليلة وخرج من القصر، فقاموا ليخرجوا غليه، فاراد أحدهم أن يفتح غلق الباب فأغلقه وما علم، فلم يحصل مقصودهم تلك الليلة لأمر أراده الله تعالى في تأخير الأجل، ثم جلسوا له يوماً آخر، فدخل القصر نهاراً فوثبوا عليه وجرحوه جراحات عديدة بعضها في رأسه، ووقع الصوت، فعاد أصحابه إليه فققتلوا الذين جرحوه وحمل إلى داره مجروحاً ودمه يسيل، وأقام بعض يوم. ومات يوم الاثنين تاسع عشر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالىن وكانت ولادته في سنة خمس وتسعين وأربعمائة. وخرجت الخلع لولده العادل يحيى الدين رزيك - المقدم ذكره في ترجمة شاور - يوم الثلاثاء ثاني يوم وفاة أبيه، وكنيته أبو شجاع، ولما تولى الوزارة لقبوه العادل الناصر.
ولما مات رثاه الفقيه عمارة اليمنى بقصيدة، أولها (1) :
أفي أهل ذا النادي عليم أسائله ... فإني لما بي ذاهب اللب ذاهله
سمعت حديثاً أحسد الصم عنده ... ويذهل واعيه ويخرس قائله
فهل من جواب يستغيث به المنى ... ويعلو على حق المصيبة باطله
وقد رابني من شاهد الحال أنني ... أرى الدست منصوباً وما فيه كافله
فهل غاب عنه واستناب سليله ... أم اختار هجراً لا يرجى تواصله
فإني ارى فوق الوجوه كآبة ... تدل على أن الوجوه ثواكله ومنها:
دعوني فما هذا أوان بكائه ... سيأتيكم طل البكاء ووابله
__________
(1) النكت العصرية: 50، وهي في ديوانه في 76 بيتاً.

الصفحة 528