كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ فِي قَعَدَاتِ الصَّلَاةِ أَنْ يَجْلِسَ الْمُصَلِّي عَلَى وِرْكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَمِنْ الْإِقْعَاءِ نَوْعٌ مَسْنُونٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الِافْتِرَاشُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، ثُمَّ يَنْحَنِي الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ إلَى أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَكْمَلُهُ أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَحَلَّ سُجُودِهِ وَرُكُوعُ الْقَاعِدِ فِي النَّفْلِ كَذَلِكَ.

فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ وُجُوبًا لِخَبَرِ عِمْرَانَ السَّابِقِ وَسُنَّ عَلَى الْأَيْمَنِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْجَنْبِ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ رَافِعًا رَأْسَهُ بِأَنْ يَرْفَعَهُ قَلِيلًا بِشَيْءٍ لِيَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ فَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ كَرَّرَهُ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى أَكْمَلِ الرُّكُوعِ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلسُّجُودِ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ صُدْغِهِ وَكَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ وَجَبَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ. وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِبَصَرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِسُنَنِهَا عَلَى قَلْبِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ لِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ، وَلِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ النَّفَلُ قَاعِدًا سَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ وَغَيْرُهَا، وَمَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدِ وَمَا لَا تُسَنُّ فِيهِ، وَمُضْطَجِعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا يُذْهِبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ ق ل

قَوْلُهُ: (عَلَى وَرِكَيْهِ) أَيْ أَصْلِ فَخِذَيْهِ وَهُوَ الْأَلْيَانِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ) وَجْهُ النَّهْيِ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكَلْبِ وَالْقِرْدِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ م ر. قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَالنَّقْرُ فِي الصَّلَاةِ كَالْغُرَابِ ... وَجِلْسَةُ الْإِقْعَاءِ كَالْكِلَابِ
قَوْلُهُ: (بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) أَيْ وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ م ر قَوْلُهُ: (أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) أَيْ بُطُونِهَا قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْحَنِيَ) عَطْفٌ عَلَى قَعَدَ

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ قَاعِدًا كَذَلِكَ لَا أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمُصَلِّي قَائِمًا لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ قَائِمًا إذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الْإِيمَاءُ بَلْ لَهُ مَرْتَبَةٌ قَبْلَ الْإِيمَاءِ، وَهِيَ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ عَجَزَ أَيْ فِي الْفَرْضِ بِأَنْ نَالَهُ مِنْهُ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالْقِيَامِ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (عَنْ الْجَنْبِ) أَيْ عَنْ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ قَوْلُهُ: (اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ) أَيْ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ) عَطْفٌ عَامٌّ قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَقْفٌ اُتُّجِهَ مَنْعُ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى ظَهْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَأَفْهَمَ أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَنَامَ عَلَى وَجْهِهِ إذَا كَانَ بِهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسْتَقْبِلٌ أَرْضَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ، وَنَقَلَهُ الْحَلَبِيُّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ قَوْلُهُ: (وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) فَيَجِبُ الْقُعُودُ لَهُمَا إنْ أَمْكَنَ ق ل قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَالِاسْتِلْقَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (فَبِبَصَرِهِ) أَيْ أَجْفَانِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ مَحْسُوسٌ بِخِلَافِ الْإِيمَاءِ بِالْبَصَرِ، وَقَدْ يُقَالُ: أَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ إذْ الْإِيمَاءُ بِالْبَصَرِ يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِالْأَجْفَانِ م د.
قَوْلُهُ: (أَفْعَالَ الصَّلَاةِ) أَيْ قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً بِأَنْ يُمَثِّلَ نَفْسَهُ قَائِمًا وَقَارِئًا وَرَاكِعًا إلَخْ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِنُدْرَتِهِ مَمْنُوعٌ وَيُعْلَمُ مِنْ صَنِيعِهِ أَنَّ الْمُومِئَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجْرَاءُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ اهـ ح ل.
قَوْلُهُ: (مَنَاطِ التَّكْلِيفِ) أَيْ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْعَقْلُ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعَقْلِ قَوْلُهُ: (وَلِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ النَّفَلُ قَاعِدًا إلَخْ) وَإِذَا نَوَى النَّفَلَ فِي حَالِ قِيَامِهِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ انْتِصَابِهِ وَتَنْعَقِدُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ وَلَوْ فِي حَالِ اضْطِجَاعِهِ ثُمَّ يَقُومَ وَيُصَلِّيَ قَائِمًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ احْتَاجَ فِي الْفَرْضِ إلَى الْقُعُودِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِعَدَمِ حِفْظِهِ لَهَا وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ بِالْأَرْضِ، وَإِلَى اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ لِذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً خَلْفَ ظَهْرِهِ فِي جِدَارٍ، أَوْ لَهُمَا مَعًا كَالْمَكْتُوبَةِ خَلْفَهُ فِي الْأَرْضِ فَعَلَ مَا يُمَكِّنُهُ قِرَاءَتَهَا فِيهِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِبْلَةِ ق ل. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسِّتْرُ، هَلْ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِي؟

الصفحة 12