كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

وَعَلَى الْقُعُودِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «وَمَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْعُدَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَمَحَلُّ نُقْصَانِ أَجْرِ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِمَا شَيْءٌ.

وَالثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) بِشُرُوطِهَا، وَهِيَ إيقَاعُهَا بَعْدَ الِانْتِصَابِ فِي الْفَرْضِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ وَلَفْظُ أَكْبَرُ، وَتَقْدِيمُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ عَلَى أَكْبَرُ، وَعَدَمُ مَدِّ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ، وَعَدَمُ مَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ. وَنُقِلَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ فَرَاجِعْهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ يَعْنِي م ر مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ يُقَدِّمُ الِاسْتِقْبَالَ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهَذَا مِثْلُهُ فَإِنَّ السَّتْرَ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقِيَامِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ) قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا وَلَوْ بِإِجْرَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى قَلْبِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مَنْ عَايَنَ الْمَوْتَ وَعَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ سَلَفًا وَخَلَفًا، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ الْمُحْتَضَرَ بِالصَّلَاةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ صَارَ قَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمَ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِمُرَاعَاةِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ الَّتِي أَمَرَنَا الشَّارِعُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا أَمَرَنَا بِهَا وَسِيلَةً إلَى الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا، وَالْمُحْتَضَرُ انْتَهَى سَيْرُهُ إلَى الْحَضْرَةِ وَتَمَكَّنَ فِيهَا فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَلِيِّ الْمَجْذُوبِ، وَهُنَا أَسْرَارٌ لَا تُسَطَّرُ فِي كِتَابٍ فَافْهَمْ انْتَهَى مِيزَانٌ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْإِبَاحِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بَلَغَ غَايَةَ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ وَصَفَا قَلْبُهُ وَاخْتَارَ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ نِفَاقٍ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَرَدَّهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّهُ كُفْرٌ وَضَلَالٌ، فَإِنَّ أَكْمَلَ النَّاسِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْإِيمَانِ الْأَنْبِيَاءُ خُصُوصًا حَبِيبَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ التَّكَالِيفَ فِي حَقِّهِمْ أَتَمُّ اهـ قَوْلُهُ: (وَمُضْطَجِعًا) وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِتْمَامُهُمَا وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا ق ل قَوْلُهُ: (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقُعُودِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِيَامِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْمُعْتَمَدُ تَفْضِيلُ الْعَشْرِ رَكَعَاتٍ مِنْ قِيَامٍ عَلَى عِشْرِينَ مِنْ قُعُودٍ لِأَنَّهَا أَشَقُّ. ثُمَّ قَالَ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَوَى الزَّمَانُ إلَخْ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ. وَمَحَلُّ نُقْصَانِ الْأَجْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا هُوَ فَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ تَطَوُّعَهُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يُنْقَصُ أَجْرُهُمْ بِالْقُعُودِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ عَنْ أَجْرِ الْقَائِمِ.

قَوْلُهُ: (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا الْأُمَمُ السَّابِقَةُ فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ ع ش. وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ إيمَانًا فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ وَيَخْشَعُ وَلَا يَعْبَثُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ دُونَ التَّعْظِيمِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَالتَّعْظِيمَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَالْأَعْظَمُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَكُلُّهَا تَقْتَضِي التَّفْخِيمَ لَكِنَّهَا تَتَفَاوَتُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُبْحَانَ اللَّهِ نِصْفُ الْمِيزَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» شَرْحُ م ر. وَفِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ وَجَّهَ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِفَرَاغِهَا فَلَيْسَتْ دَاخِلَةً الْمَاهِيَّةَ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا يَتَبَيَّنُ دُخُولُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِذَا أَتَى بِمُبْطِلٍ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ قَوْلُهُ: (بِلُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إنَّهُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَكَبَّرَ بِغَيْرِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ. وَوَجْهُ الثَّانِي كَوْنُ الْحَقِّ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا بَيْنَ غَيْرِهَا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ التَّعَبُّدُ بِمَا صَحَّ عَنْ الشَّارِعِ مِنْ لَفْظِ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَتَقْدِيمُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ إلَخْ) فَلَوْ قَدَّمَ لَفْظَ أَكْبَرُ بِأَنْ قَالَ: أَكْبَرُ اللَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِلَفْظِ أَكْبَرُ، فَإِنْ أَتَى بِهِ بَعْدَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ اعْتَدَّ بِهِ إنْ قَصَدَ بِالْجَلَالَةِ الِابْتِدَاءَ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ

الصفحة 13