كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

التَّابِعَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِرُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ يُشْعِرُ خَبَرُ: «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» الْآتِي. وَمَنْ عَدَّهَا أَرْكَانًا فَذَاكَ لِاسْتِقْلَالِهَا، وَصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ وَنَحْوِهِ بِدُونِهَا، وَجُعِلَتْ أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا، وَمَنْ جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا فَلِكَوْنِهَا جِنْسًا وَاحِدًا كَمَا عَدُّوا السَّجْدَتَيْنِ رُكْنًا لِذَلِكَ. الْأَوَّلُ (النِّيَّةُ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَوَّلُهَا لَا فِي جَمِيعِهَا، فَكَانَتْ رُكْنًا كَالتَّكْبِيرِ وَالرُّكُوعِ. وَقِيلَ: هِيَ شَرْطٌ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَتَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْإِخْلَاصُ فِي كَلَامِهِمْ النِّيَّةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظِيٌّ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ.
قَوْلُهُ: (وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعُدُّوا التَّقَدُّمَ بِالرُّكُوعِ مَثَلًا تَقَدُّمًا بِرُكْنَيْنِ بَلْ بِرُكْنٍ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ تَابِعَةٌ.
قَوْلُهُ: (الْآتِي) لِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، وَلَمْ يَقُلْ وَاطْمَئِنَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَابِعَةٌ قَوْلُهُ: (وَصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ) عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اسْتِقْلَالِهَا صِدْقُ اسْمِ السُّجُودِ بِدُونِهَا قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا إلَخْ) يُقَالُ عَلَيْهِ فَمَا بَالُ الْمُصَنِّفِ عَدَّهَا أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا وَلَمْ يُجْرِ عَلَى ذَلِكَ فِي السَّجْدَتَيْنِ، فَعَدَّهُمَا رُكْنًا وَاحِدًا، فَمَا وَجَّهَ بِهِ صَنِيعَهُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ يَخْدِشُهُ صَنِيعُهُ فِي السَّجْدَتَيْنِ قَوْلُهُ: (رُكْنًا لِذَلِكَ) لِكَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ: (لَا فِي جَمِيعِهَا) قَصْدُهُ الرَّدُّ عَلَى الْقَائِلِ بِالشَّرْطِيَّةِ قَوْلُهُ: (عَنْ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي شَرْحِهِ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ خُرُوجَ الْقَصْدِ عَنْ الْفِعْلِ لَا يَمْنَعُ أَنَّ مَجْمُوعَهُمَا هُوَ مُسَمَّى الصَّلَاةِ شَرْعًا وَهُوَ الْمُدَّعَى اهـ. عَلَى أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ بِالتَّكْبِيرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ رُكْنُ تَأَمُّلٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِمْرَارُهَا حُكْمًا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا يُنَافِيهَا، فَلَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهَا حَالًا أَوْ بَعْدَ نَحْوِ رُكُوعِهِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي الْخُرُوجِ وَالِاسْتِمْرَارِ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَطَعَ بِحُصُولِهِ أَوْ جَوَّزَ حُصُولَهُ وَعَدَمَ حُصُولِهِ ضَرَّ، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ لَمْ يَضُرَّ سم. وَقَوْلُهُ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَهَا مَعَ مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ اسْتِدْبَارٍ وَتَمَّتْ النِّيَّةُ وَلَا مَانِعَ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الرُّكْنِيَّةِ وَصَحَّتْ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ أَيْ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَاهِيَّةِ. قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّهَا شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ لِمُقَارَنَةِ الْمُفْسِدِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ رُكْنِيَّتُهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَتَعَلَّقُ بِمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَلَا تَفْتَقِرُ إلَيَّ نِيَّةٍ
وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ كُلُّ صِفَةٍ تَتَعَلَّقُ وَلَا تُؤَثِّرُ يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا وَبِغَيْرِهَا كَالْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِعِلْمِهِ أَنَّ لَهُ عِلْمًا وَإِنَّمَا لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهَا شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ فَتُحَصِّلُ نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا شَرْحُ م ر. وَقَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: أَرْكَانُهَا نِيَّةٌ بِقَلْبٍ لِفِعْلِهَا أَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا وَهِيَ هُنَا مَا عَدَا النِّيَّةَ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ هُنَا أَيْ الصَّلَاةُ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ لِأَنَّ كُلَّ نِيَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَهَذَا لَا يَأْتِي إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْوِي كُلَّ فَرْدٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْوِي الْمَجْمُوعَ أَيْ يُلَاحِظُ مَجْمُوعَ الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تُنْوَى بِأَنْ تُلَاحَظَ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَيَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا تُنْوَى أَيْ لَا تَجِبُ نِيَّتُهَا أَيْ وَحْدَهَا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلَاحِظَ النِّيَّةَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُلَاحِظَ النِّيَّةَ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا} [البينة: 5] أَيْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَاسْتُشْكِلَ تَفْسِيرُ الْإِخْلَاصِ بِالنِّيَّةِ بِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى نَاوِينَ لَهُ الدِّينَ وَالدِّينُ لَا يُنْوَى إذْ هُوَ الْأَحْكَامُ وَلَا مَعْنَى لِنِيَّتِهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ الدِّينِ. وَهِيَ الْأَفْعَالُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: (قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ) لَعَلَّ وَجْهَ إسْنَادِهِ لِلْمَاوَرْدِيِّ إشَارَةٌ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَتِهِ، فَقَدْ فَسَّرَ الْبَيْضَاوِيُّ الْإِخْلَاصَ بِعَدَمِ الْإِشْرَاكِ.
قَوْلُهُ: (فِي كَلَامِهِمْ) أَيْ الْمُفَسِّرِينَ

الصفحة 4