كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

(وَالرَّابِعُ الدَّمُ الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ) الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ، أَوْ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ وَمِنْ غَيْرِهِ كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ ضَرْبَانِ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ تَقْرِيبًا فَيُضْمَنُ بِهِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِيهِ نَقْلٌ بَعْضُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْضُهُ عَنْ السَّلَفِ فَيُتْبَعُ. وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْمَذْكُورُ (عَلَى التَّخْيِيرِ) بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (إنْ كَانَ الصَّيْدُ) الْمَقْتُولُ أَوْ الْمُزْمِنُ (مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) أَيْ شَبَهٌ صُورِيٌّ مِنْ النَّعَمِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَخْرَجَ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ) أَيْ يَذْبَحُ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ، فَفِي إتْلَافِ النَّعَامَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَدَنَةٌ كَذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ تُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، وَفِي وَاحِدٍ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ أَوْ حِمَارِهِ بَقَرَةٌ، وَفِي الْغَزَالِ وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنَاهُ مَعْزٌ صَغِيرٌ، فَفِي الذَّكَرِ جَدْيٌ وَفِي الْأُنْثَى عَنَاقٌ، فَإِنْ طَلَعَ قَرْنَاهُ سُمِّيَ الذَّكَرُ ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَةً، وَفِيهَا عَنْزٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، وَفِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَقِيَتْ الْيَاءُ عَلَى سُكُونِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ.

قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ الدَّمُ الْوَاجِبُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الثَّالِثُ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي وَتَحْتَهُ الصَّيْدُ وَالْأَشْجَارُ، وَنَصُّهُ:
وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي ... صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفِ
إنْ شِئْت فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدْلُ مِثْلِ مَا ... عَدَّلْت فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا
قَوْلُهُ: (بِقَتْلِ الصَّيْدِ) أَوْ أَيْ زَمِنًا بِجَرْحِهِ وَإِزْمَانِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (الْبَرِّيِّ) وَمَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، وَالْبَحْرِ كَالْبَرِّيِّ؛ أَيْ فَيَحِلُّ بِالتَّذْكِيَةِ إذَا كَانَ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ مِمَّا يُؤْكَلُ أج. وَقَوْلُهُ " إذَا كَانَ نَظِيرُهُ إلَخْ " أَيْ كَقِرْشِ الْبَحْرِ، زَادَ الزِّيَادِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ " إذَا كَانَ نَظِيرُهُ " فِي الْبَرِّ مِمَّا يُؤْكَلُ وَالْمَنْفِيُّ حِلُّهُ مَيِّتًا " اهـ: وَقَوْلُهُ " وَالْمَنْفِيُّ " أَيْ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ حِلِّهِ وَمَا قَالُوهُ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّذْكِيَةِ وَمَا هُنَاكَ مِنْ الْحُرْمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُذَكَّ.
قَوْلُهُ: (حِمَارٍ وَحْشِيٍّ) هُوَ مَأْكُولٌ، وَقَوْلُهُ " وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ " الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " وَحِمَارَةٍ أَهْلِيَّةٍ " لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى لَا بَيْنَ ذَكَرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَيَتْبَعُ) أَيْ النَّقْلُ، أَيْ وَاَلَّذِي لَا نَقْلَ فِيهِ بِحُكْمِ عَدْلَانِ قَوْلُهُ: (عَلَى التَّخْيِيرِ) أَيْ وَالتَّعْدِيلِ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةِ أُمُورٍ) أَيْ أَوْ أَمْرَيْنِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُزْمِنِ) أَيْ الْمُقْعَدِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ زَمِنَ الشَّخْصُ زَمَنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا وَأَزْمَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُزْمَنٌ.
قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ الْمِثْلَ) أَفْهَمَ ذِكْرُ الْمِثْلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا تُذْبَحُ بَلْ تُقَوَّمُ حَامِلًا وَيُتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أَوْ يُصَامُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ حَامِلٍ فَأَلْقَى جَنِينًا مَيِّتًا، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا فَهُوَ كَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِلَّا ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ، وَلَا يَضْمَنُ الْجَنِينَ؛ وَفَارَقَ جَنِينَ الْأَمَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا بِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيُنْقِصُ الْآدَمِيَّاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيَّاتِ، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ أَوْ الْوَلَدَ فَقَطْ ضَمِنَ الْوَلَدَ بِانْفِرَادِهِ وَضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَذْبَحُ) وَالذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ وَكَوْنُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ وَاجِبَاتٌ ق ل.
قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَتَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً) أَيْ وَقَدْ بَلَغَتْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: (جَفْرَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَيُسَمَّى الذَّكَرُ جَفْرًا لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا؛ وَيُجْمَعُ عَلَى أَجْفَارٍ وَجِفَارٍ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الضَّبُعِ) هُوَ مَعْرُوفٌ. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى، فَيُلَقِّحُ فِي حَالَةِ الذُّكُورَةِ وَيَلِدُ فِي حَالَةِ الْأُنُوثَةِ. وَهَذَا اللَّفْظُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْأُنْثَى وَأَنَّ الذَّكَرَ ضِبْعَانِ بِكَسْرِ

الصفحة 471