كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ الصَّيْدِ عَمَّنْ سَيَأْتِي يَحْكُمُ فِيهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ عَدْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] الْآيَةَ.
وَالْعِبْرَةُ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقًا، فَابْنُ النَّعَامَةِ مِنْ الْبَدَنَةِ لَا بِالْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ، وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ، وَفِي السَّمِينِ سَمِينٌ، وَفِي الْهَزِيلِ هَزِيلٌ. وَلَوْ فَدَى الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ أَوْ الْهَزِيلَ بِالسَّمِينِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ فَقِيهَيْنِ فَطِنَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَعْرَفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا. وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْفِقْهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَحَبٌّ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَتِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِأَنَّ لَهُ مِثْلًا وَعَدْلَانِ بِعَدَمِهِ فَهُوَ مِثْلِيٌّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ تَخَيَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ.
ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِي مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ قَوَّمَهُ) أَيْ الْمِثْلَ بِدَرَاهِمَ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ بِمَكَّةَ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ (وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) مُجْزِئًا فِي الْفِطْرَةِ أَوْ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ (وَتَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ الطَّعَامِ وُجُوبًا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ الْقَاطِنِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّادِ فَسُكُون،. اهـ. خَضِرٌ. قَوْلُهُ: (عَمَّنْ سَيَأْتِي) الْأَوْلَى عَمَّنْ سَبَقَ، وَهُوَ النَّبِيُّ وَالسَّلَفُ.
قَوْلُهُ: (يَحْكُمُ) يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ حُكْمًا اشْتِرَاطُ ذُكُورَتِهِمَا وَحُرِّيَّتِهِمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ م ر.
قَوْلُهُ: (عَدْلَانِ) أَيْ وَلَوْ ظَاهِرًا أَوْ بِلَا اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (بِالْخِلْقَةِ) أَيْ الصُّورَةِ، فَعَطْفُ الصُّورَةِ عَلَيْهِ تَفْسِيرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لَا بِالْقِيمَةِ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْخِلْقَةِ.
قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَالْعِبْرَةُ بِالْمُمَاثَلَةِ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ شَارِحِ الْمَنْهَجِ: وَيُجْزِئُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَعَكْسُهُ، فَلْيُحَرَّرْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ " وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ " أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ) وَيَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ؛ لَكِنْ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْطَى حَيَّةً بَلْ تُقَوَّمُ بِمَكَّةَ فِي مَحَلِّ ذَبْحِهَا لَوْ ذُبِحَتْ وَيُتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.
قَوْلُهُ: (إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ) كَالْعَوَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ، كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْوَرَ يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا فَلَا يَضُرُّ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَيْبُ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا يَكْفِي؛ سم قَوْلُهُ: (فَقِيهَيْنِ) أَيْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّبَهِ وَيَحْتَمِلُ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ. وَفِي م ر. الْأَوَّلُ: وَعِبَارَةُ حَجّ: فَقِيهَيْنِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشَّبَهِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (فَطِنَيْنِ) تَثْنِيَةُ فَطِنٍ وَهُوَ الذَّكِيُّ.
قَوْلُهُ: (بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا) أَيْ مِنْ كَوْنِ الصَّيْدِ لَهُ مِثْلٌ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ) وَانْظُرْ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَكْثَرَ عَدَدًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَأَكْثَرُ بِمِثْلٍ آخَرَ هَلْ يَتَخَيَّرُ أَيْضًا أَوْ يُرَجَّحُ؟ الْأَكْثَرُ الْقِيَاسُ الثَّانِي؛ وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ آخَرَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أَيْ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَلَوْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النَّقْلُ كَالزَّكَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي بَلَدِ وُجُوبِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْمِثْلُ) فَالْمُقَوَّمُ الْمِثْلُ لَا الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ.
قَوْلُهُ: (بِمَكَّةَ) الْمُرَادُ بِهَا جَمِيعُ الْحَرَمِ، شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " بِقِيمَتِهِ " وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَوْ أَخْرَجَ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ.

الصفحة 472