كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالدَّرَاهِمِ. ثُمَّ ذَكَرَ الثَّالِثَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ (وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ) الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ (مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ) مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ كَالْجَرَادِ وَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامِ كَمَا سَيَأْتِي سَوَاءٌ كَانَ أَكْبَرَ جُثَّةً مِنْ الْحَمَامِ أَمْ لَا، (أَخْرَجَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بِهَا فِي الْجَرَادِ وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ لَا مِثْلَ لَهُ، فَضُمِنَ بِالْقِيمَةِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ وَيُرْجَعُ فِي الْقِيمَةِ إلَى عَدْلَيْنِ، أَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا فِيهِ نَقْلٌ وَهُوَ الْحَمَامُ وَهُوَ مَا عَبَّ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ وَهَدَرَ أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ وَغَرَّدَ كَالْيَمَامِ وَالْقَمَرِيِّ وَالْفَاخِتَةِ وَكُلِّ مُطَوَّقٍ فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُ شَاةٌ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ) الْأَوْلَى الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ هُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَزَائِهِ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ طَعَامًا أَوْ يَصُومَ. قَوْلُهُ: (كَالْجَرَادِ) هَذَا تَنْظِيرٌ، إذْ الْجَرَادُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ ".
قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ حَيًّا، فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إذْ لَا يَحِلُّ أَيْ بَاقِي الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامِ، بِخِلَافِ الْجَرَادِ فَإِنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ) لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ مَا لَا نَقْلَ فِيهِ بِالْجَرَادِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَرَادَ لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمِثْلُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ فِيهِ نَقْلًا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْحَمَامُ) قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ: وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَيُرْوَى أَنَّهُمَا بَاضَتَا وَفَرَّخَتَا، وَبَارَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحَمَامَتَيْنِ أَيْ وَفَرَضَ جَزَاءَ الْحَمَامِ وَانْحَدَرَتَا فِي الْحَرَمِ فَأَفْرَخَتَا كُلَّ شَيْءٍ فِي الْحَرَمِ مِنْ الْحَمَامِ؛ أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى حَمَامِ مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الطُّيُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَنُظِرَ فِي الْإِمْتَاعِ فِي كَوْنِ حَمَامِ الْحَرَمِ مِنْ نَسْلِ ذَلِكَ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ بَعَثَ الْحَمَامَةَ مِنْ السَّفِينَةِ لِتَأْتِيَهِ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَوَقَعَتْ بِوَادِي الْحَرَمِ فَإِذَا الْمَاءُ قَدْ نَضَبَ بِمَوْضِعِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ طِينَتُهَا حَمْرَاءَ فَاخْتَضَبَتْ رِجْلَاهَا، ثُمَّ جَاءَتْهُ فَمَسَحَ عُنُقَهَا وَطَوَّقَهَا طَوْقًا وَوَهَبَ لَهَا الْحُمْرَةَ فِي رِجْلِهَا وَأَسْكَنَهَا الْحَرَمَ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ. فَفِي هَذَا أَنَّ الْحَمَامَ قَدْ كَانَ فِي الْحَرَمِ مِنْ عَهْدِ جُرْهُمٍ، أَيْ وَنُوحٍ؛ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حَمَامَ مَكَّةَ أَظَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ فَدَعَا بِالْبَرَكَةِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا عَبَّ) بَابُهُ رَدَّ يَرُدُّ، وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْعَبَّ يُورِثُ الْكُبَادَ» وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ يَعْنِي وَجَعَ الْكَبِدِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا وَلَا تَعُبُّوهُ عَبًّا فَإِنَّ الْعَبَّ يُورِثُ الْكُبَادَ» اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهَدَرَ بَابُهُ ضَرَبَ يَضْرِبُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَهُوَ لَازِمٌ لِعَبَّ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " عَبَّ " أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ، هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ، فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ بَعْضِهِمْ: وَهَدَرَ؛ أَيْ صَوَّتَ، لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَغَرَّدَ) أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ؛ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ غَرِدَ غَرَدًا فَهُوَ غَرِدٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا أَطْرَبَ فِي صَوْتِهِ وَغِنَائِهِ كَالطَّائِرِ وَغَرَّدَ تَغْرِيدًا مِثْلُهُ. اهـ. وَالتَّطْرِيبُ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ وَمَدُّهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَاخِتَةُ) نَوْعٌ مِنْ الْحَمَامِ، وَالْمُطَوَّقُ مَا فِيهِ لَوْنٌ حَوْلَ رَقَبَتِهِ مُخَالِفٌ لِبَاقِي بَدَنِهِ.
قَوْلُهُ: (شَاةٌ) وَلَوْ صَغُرَتْ الْحَمَامَةُ جِدًّا وَالْمُرَادُ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ، وَإِنْ بَحَثَ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَحَمَامٌ شَاةٌ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ إجْزَاؤُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ. أَقُولُ: وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ فِي الصَّيْدِ أَنَّ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرَةً وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرَةً أَنَّهُ يَجِبُ هُنَا فِي الْحَمَامَةِ الْكَبِيرَةِ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِي الْحَمَامَةِ الصَّغِيرَةِ شَاةٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ، انْتَهَتْ بِحُرُوفِهَا. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَإِنْ لَمْ تَجُزْ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا اسْتَوْجَهَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ اهـ، قَالَ الشَّيْخُ خ ض: لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُجْزِئَةً فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَالْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الشَّاةِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاةِ وَالْحَمَامِ يَأْلَفُ الْبُيُوتَ، فَبَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ فِي الطَّبْعِ وَإِلَّا فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا فِي الصُّورَةِ.
قَوْلُهُ:

الصفحة 473