كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الزَّرْعِ وَلَا يُقْطَعُ لِذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِلْبَيْعِ مِمَّنْ يَعْلِفُ بِهِ لِأَنَّهُ كَالطَّعَامِ الَّذِي أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا أَخْذَ السِّوَاكِ كَمَا سَيَأْتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِالْبَهَائِمِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ بِلَا خَبْطٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهَا وَخَبْطُهَا حَرَامٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَنُقِلَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهَا وَعُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ الْغُصْنُ اللَّطِيفُ وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيَحْرُمُ أَخْذُ نَبَاتِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُضْمَنُ، وَيَحْرُمُ صَيْدُ وَجِّ الطَّائِفِ وَنَبَاتِهِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا قَطْعًا.
فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ نَقْلُ تُرَابٍ مِنْ الْحَرَمَيْنِ أَوْ أَحْجَارٍ أَوْ مَا عُمِلَ مِنْ طِينِ أَحَدِهِمَا كَالْأَبَارِيقِ وَغَيْرِهَا إلَى الْحِلِّ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ، فَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ مَسَحَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمَانِ الْمُتَقَوِّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ مُتْلَفٌ، فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الْقِيمَةُ قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ أَخْذُ نَبَاتِهِ) أَيْ قَلْعًا وَقَطْعًا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، أَيْ لِلْحَاجَةِ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَخْذُهُ بِالْإِضْمَارِ أَيْ النَّبَاتِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ، هَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْحَشِيشِ لَا الشَّجَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ نَبَاتٍ، إذْ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّجَرِ لِذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّعْيِ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ عَامٌّ فَيَجُوزُ فِي النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ م ر وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ قَوْلُهُ: (لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ) أَيْ عِنْدَهُ وَإِنْ ادَّخَرَ لَهَا ح ل قَوْلُهُ: (وَلِلدَّوَاءِ) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَرَضُ بِأَنْ ادَّخَرَهُ لِمَرَضٍ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمُتَّجَهِ م ر.
قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَعْلِفُ) أَيْ لِمَنْ يَعْلِفُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ) أَيْ كَالطَّعَامِ الَّذِي قُدِّمَ لِلضَّيْفِ قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) هَلْ مِثْلُهُ الْوَرَقُ وَالثَّمَرُ؟ ح ل؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ قَوْلُهُ: (بِالْبَهَائِمِ) أَيْ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُسَاقُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا قَوْلُهُ: (قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ضَعِيفٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ حُكْمَهُ مَا تَقَدَّمَ هُوَ أَنَّهُ إذَا أَخْلَفَ مِثْلَهُ فِي سَنَتِهِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ كَمَا فِي م ر؛ قَالَ بَعْضُهُمْ:
اقْطَعْ وَلَا ضَمَانَ غُصْنَ الْحَرَمِ ... إنْ مِثْلُهُ فِي الْعَامِ يُخْلِفْ فَاعْلَمْ
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ أَخْذُ نَبَاتٍ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَلَفِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّبَاتِ هُنَا مُقَابِلُ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّجَرِ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (وَجِّ الطَّائِفِ) وَهُوَ وَادٍ بِصَحْرَائِهِ ح ل. وَسُمِّيَ بِوَجِّ ابْنِ عَبْدِ الْحَيِّ مِنْ الْعَمَالِقَةِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إلَى الطَّائِفِ فَحَصَلَ لَهُ غَايَةُ الْإِيذَاءِ مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى دَمِيَتْ رِجْلَاهُ، فَجَلَسَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأُكْرِمَ فِيهِ غَايَةَ الْإِكْرَامِ، فَأُكْرِمَ الْمَكَانُ بِتَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِهِ وَقَتْلِ صَيْدِهِ. وَسُمِّيَ الطَّائِفَ لِطَوَافِ جِبْرِيلَ بِهِ سَبْعًا حَوْلَ الْبَيْتِ لَمَّا اقْتَلَعَهُ مِنْ الشَّامِ، حِينَ قَالَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126] وَالطَّائِفُ بَلَدٌ كَثِيرُ الْفَوَاكِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ.
قَوْلُهُ: (وَنَبَاتِهِ) أَيْ التَّعَرُّضُ لَهُمَا بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ قَلْعٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (يَحْرُمُ نَقْلُ تُرَابٍ إلَخْ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ، فَيَنْبَغِي تَقْلِيدُهُ. وَالْأَبَارِيقُ الْآنَ لَيْسَتْ مِنْ طِينِ الْحَرَمِ بَلْ مِنْ طِينِ الْحِلِّ قَوْلُهُ: (وَمَا عُمِلَ مِنْ طِينِ أَحَدِهِمَا) وَلَوْ لِلْحَرَمِ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ) فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ فَأَشْبَهَ الْكَلَأَ الْيَابِسَ، وَبِالرَّدِّ تَنْقَطِعُ الْحُرْمَةُ كَدَفْنِ بُصَاقِ الْمَسْجِدِ وَنَقْلُ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحَرَمِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهُ حُرْمَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّهْيِ فِيهِ؛ قَالَهُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ الْقَائِلِ بِالْكَرَاهَةِ. وَقَوْلُهُ " لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهُ حُرْمَةٌ " أَيْ يُعْتَقَدَ احْتِرَامُهُ، فَرُبَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَخْذِهَا مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ) بَلْ يُسَنُّ تَبَرُّكًا بِهِ،

الصفحة 479