كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَدَأَ بِهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا وَلَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كِفَايَةً وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَتَعْيِينُهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَتَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ النَّفْلِ، وَلَا تَجِبُ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا، فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ؟ وَلَا تَجِبُ الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى وَتُسْتَحَبُّ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ.

وَتُسْتَحَبُّ نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلَوْ غَيَّرَ الْعَدَدَ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا لَمْ تَنْعَقِدْ.

وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَدَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ عِنْدَ جَهْلِ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ ظَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا قَضَاءً فَبَانَ وَقْتُهُ، أَوْ ظَنَّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا أَدَاءً فَبَانَ خُرُوجُهُ لِاسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى الْآخَرِ تَقُولُ: قَضَيْت الدَّيْنِ وَأَدَّيْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ أَدَّيْتُمْ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَالِمًا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْوَقْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَرَاتِبَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الْفَرْضُ بِأَقْسَامِهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْقَصْدُ، وَالتَّعْيِينُ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ. الثَّانِي: النَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ وَالسَّبَبِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرَانِ: الْقَصْدُ وَالتَّعْيِينُ. وَلَا حَاجَةَ لِنِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ لِلُزُومِ النَّفْلِيَّةِ لَهُ بِخِلَافِ الْعَصْرِ وَنَحْوِهَا أَيْ إذَا نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَلَمْ يَقُلْ فَرْضًا فَلَا تَكْفِي لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا كَالْمُعَادَةِ. الثَّالِثُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَيَكْفِي فِيهِ قَصْدُ الصَّلَاةِ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّعْيِينِ وَلَا النَّفْلِ لِمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (قَصْدُ فِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ) أَيْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ، وَفَارَقَتْ الْمُعَادَةَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ فَقِيلَ فِيهَا إنَّ الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِيَةُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى مَا فَاتَهُ فِي زَمَنِ التَّمْيِيزِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَادَةَ كَالْأَصْلِيَّةِ إلَّا فِي جَوَازِ تَرْكِهَا ابْتِدَاءً.
قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ) فَإِيجَابُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ عَلَيْهِ إيجَابُ نِيَّةٍ خِلَافِ الْوَاقِعِ. قَالَ سم: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِهَا فِي حَقِّهِ نِيَّةُ مَا هُوَ فَرْضٌ فِي نَفْسِهِ. وَفِي ع ش أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ مِنْ النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ إذْ الْقِيَامُ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ

قَوْلُهُ: (لَمْ تَنْعَقِدْ) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا لِتَلَاعُبِهِ أَوْ غَالِطًا عَلَى الرَّاجِحِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ مَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً أَوْ تَفْصِيلًا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ شَرْحُ م ر: وَعَدَدُ الرَّكَعَاتِ يَتَعَرَّضُ لَهَا جُمْلَةً فِي ضِمْنِ التَّعْيِينِ.

قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ) أَيْ بَدَلِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى بَدَلٍ لِتَوَافُقِ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ وَهِيَ وَصَحَّ أَدَاءٌ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ وَعَكْسِهِ وَهِيَ أَظْهَرُ قَوْلُهُ: (كَأَنْ ظَنَّ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ قَوْلُهُ: (فَبَانَ وَقْتُهُ) أَيْ بَقَاءُ وَقْتِهِ قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ قَصَدَ حَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا الشَّرْعِيَّةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ عَامِدًا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَيَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ بِأَنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَدَاءَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْوَقْتِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ فَاتَ أَوْ قَصَدَ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا كَانَ خَارِجَهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ م د.
قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ) أَيْ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَفِي ع ش أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَضُرُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً. وَفِي فَتَاوَى الْبَارِزِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً يَتَرَاءَى لَهُ الْفَجْرُ فَيُصَلِّي ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ظَانًّا دُخُولَهُ انْعَقَدَتْ نَفْلًا مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَقْضِيَّةٌ نَظِيرُ مَا نَوَاهُ شَرْحُ م ر.
وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ فَرْضَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ دُخُولَهُ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لسم هُنَا. وَعِبَارَتُهُ فِي

الصفحة 5