كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ.

(وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا الْقَصْدُ، فَلَا يَكْفِي النُّطْقُ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ كَذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ النُّطْقُ بِخِلَافِ مَا فِي الْقَلْبِ كَأَنْ قَصَدَ الصُّبْحَ وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ، وَيُنْدَبُ النُّطْقُ بِالْمَنْوِيِّ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْوِسْوَاسِ، وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ نَوَاهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ وَاقِعٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ لِلْمُنَافَاةِ.

(فَائِدَةٌ) لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: صَلِّ فَرْضَك وَلَك عَلَيَّ دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفْعَ الْغَرِيمِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ دَفْعَهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا غَيْرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (نِيَّةِ فِعْلِ الصَّلَاةِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَبِالصَّلَاةِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَالْمُكَلَّفُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا الْقَصْدُ) أَيْ وَالْقَصْدُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ قَوْلُهُ: (وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ) أَيْ وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَهُ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ وَقَصَدَ مَا نَوَاهُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ع ش عَلَى م ر أَيْ لِأَنَّ التَّلَاعُبَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إلَّا بِالتَّكْبِيرَةِ أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: (عَنْ الْوِسْوَاسِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْوَاوِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَسْوَسَةُ. وَأَمَّا الْمَفْتُوحُ فَاسْمٌ لِلشَّيْطَانِ قَالَ تَعَالَى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} [الناس: 4] قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ إلَخْ) وَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لَيْسَ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَبْلَ انْعِقَادِهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (أَوْ نَوَاهَا) أَيْ الْمَشِيئَةَ قَوْلُهُ: (أَوْ التَّعْلِيقَ إلَخْ) وَمِثْلُهُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ وَالتَّرَدُّدِ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَمْرٍ لَا يُوجَدُ عَادَةً أَوْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ وَلَوْ عَقْلًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ سم عَلَى الْبَهْجَةِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ شَارِحُ الْكِتَابِ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِمَا يَقْطَعُ عَقْلًا بِعَدَمِ حُصُولِهِ اج قَوْلُهُ: (أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى التَّعْلِيقِ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ وَهُوَ " إنْ " صَرِيحٌ فِيهِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ الْإِطْلَاقُ عَلَى التَّعْلِيقِ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ طَلَّقْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَطْلَقَ وَقَعَ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَهُ صَرِيحٌ فِي الْوُقُوعِ فَلَا يُقَوِّي صَرْفَهُ عَنْ الْوُقُوعِ إلَّا قَصْدُ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ لِضَعْفِهَا، وَلَوْ فَرَّقَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْبَابَيْنِ لَكَانَ أَوْضَحَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي صُورَةِ نِيَّةِ الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ التَّلَفُّظِ بِالْمَشِيئَةِ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ وَقَعَ بَعْدَ التَّحَرُّمِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ ع ش، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ ضَرَّ بَدَلَ قَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَسَائِلَ الْمَشِيئَةِ صُوَرُهَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: عَلَّقَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ أَوْ نَوَاهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ وَكُلُّهَا فِي الشَّارِحِ قَوْلُهُ: (لِلْمُنَافَاةِ) أَيْ بَيْنَ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ الْمُشْتَرَطِ وَالتَّعْلِيقِ.

قَوْلُهُ: (فَرْضَك) أَيْ مَثَلًا إذْ مِثْلُهُ الضُّحَى وَالْعِيدُ مَثَلًا قَوْلُهُ: (فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ) أَيْ مُنْضَمَّةٌ إلَى النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ ق ل كَأَنْ قَالَ: أُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ وَلِي عَلَى فُلَانٍ دِينَارٌ. اهـ. م د. وَكَيْفَ تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ مَعَ قَوْلِهِ وَلِي عَلَى فُلَانٍ دِينَارٌ مَعَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَتَى بِهِ فِي قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّلَفُّظَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْعِقَادِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْتَحِقَّ) أَيْ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ لَمْ تَعُدْ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا عَلَى الْمُجَاعِلِ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ أَيْ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ أَوْ يُطْلَبُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ أَدِّ دَيْنِي وَأَنَا أُوَفِّيك، أَمَّا مَا يَلْزَمُ الْمُخَاطَبَ إذَا جَعَلَ الْآمِرُ لَهُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ: (صَحَّتْ صَلَاتُهُ) بِخِلَافِ نِيَّةِ الطَّوَافِ وَدَفْعِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُدْفَعُ بِهِ الْغَرِيمُ عَادَةً

الصفحة 7