كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 2)

مُمَوِّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» زَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا» . وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ وَبِالْقَادِرِ الْعَاجِزُ. وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْفَرْضَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ.
وَمِثْلُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ: الْأُولَى: مَا لَوْ خَافَ رَاكِبُ السَّفِينَةِ غَرَقًا أَوْ دَوَرَانَ رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ كَانَ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ لَوْ قَامَ سَالَ بَوْلُهُ وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ عَلَى الْأَصَحِّ بِلَا إعَادَةٍ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ طَبِيبٌ ثِقَةٌ لِمَنْ بِعَيْنِهِ مَاءٌ: إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك، فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ مُنْفَرِدًا بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ: التَّطْوِيلُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ ثُمَّ فِي السُّجُودِ ثُمَّ فِي الِاعْتِدَالِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمُعِينٍ إلَخْ) عِبَارَةُ ر م أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ إلَّا بِمُعِينٍ إلَخْ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْغَايَةَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ بِمُعِينٍ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلرَّدِّ عَلَى أَحَدٍ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ م ر. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ) قَالَ ق ل: وَكَذَا فِي دَوَامِ الْقِيَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى احْتَاجَ لِلْمُعِينِ فِي دَوَامِ قِيَامِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ. وَعِبَارَةُ سم حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْمُعِينِ وَالْعُكَّازَةُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي النُّهُوضِ فَقَطْ أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي دَوَامِ قِيَامِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فِي النُّهُوضِ وَدَوَامِ الْقِيَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ عَاجِزٌ الْآنَ، أَيْ فَيُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ اهـ. وَفَرَّقَ ع ش بَيْنَ الْمُعِينِ وَالْعُكَّازَةِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي يَجِبُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.
وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ قَوْلَهُ: (لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) وَكَانَ عِمْرَانُ مِنْ أَكَابِرِ أَعْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قِيلَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ جِهَارًا، فَلَمَّا شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَبَتْ عَنْهُ الْمَلَائِكَةُ فَشَكَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتِجَابَ الْمَلَائِكَةِ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: «احْتِجَابُهُمْ عَنْك بِسَبَبِ شِفَائِك فَقَالَ لَهُ: اُدْعُ اللَّهَ بِعَوْدِ الْمَرَضِ» . فَلَمَّا عَادَ لَهُ مَرَضُهُ عَادَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ فَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ كَرَامَةً لَهُ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتُصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَوَازِ صَلَاةِ الْفَرْضِ قَاعِدًا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ
قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْقِيَامِ لِلْقَادِرِ قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ، وَوَجْهُ إفْهَامِهِ أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ تَقَعُ نَافِلَةً لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا يُسَمَّى فَرْضًا عَلَى الْمُكَلَّفِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ فَاعِلِهِ، فَلَا إفْهَامَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ م ر وَابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ الْقِيَامُ فِي فَرْضٍ شَمِلَ فَرْضَ الصَّبِيِّ وَالْعَارِي، وَالْفَرِيضَةَ الْمُعَادَةَ وَالْمَنْذُورَةَ فَجَعَلَا الْفَرْضَ شَامِلًا لِصَلَاةِ الصَّبِيِّ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ وَفِي الْمُعَادَةِ ق ل قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ وُجُوبِ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. قَالَ ق ل: لَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَجْزِ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْقِيَامِ الزَّحْمَةُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ اهـ م د. زَادَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ رَاسِيَةً عَلَى الْبَرِّ فَلَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ لِيُصَلِّيَ عَلَى الْأَرْضِ قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ الْأُولَى إلَخْ أَنْ يَقُولَ هُنَا الثَّالِثَةُ مَا لَوْ قَالَ إلَخْ. وَيَقُولُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْآتِي الثَّالِثَةُ الرَّابِعَةُ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِعِبَارَةِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ عَدَدٍ بَلْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مِنْهَا فِي جَمِيعِهَا، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهَا رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُشْبِهُهَا جَعَلَهُ مِنْهَا تَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ لَهُ عَدْلَ رِوَايَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ كَانَ عَارِفًا م ر وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَامٌّ أَيْ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ، قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْعُذْرَ الْعَامَّ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالنَّادِرِ دَامَ أَوْ لَا، وَأَنَّ الْعُذْرَ الدَّائِمَ مَا لَا يَزُولُ بِسُرْعَةٍ غَالِبًا أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ عَمَّ أَوْ لَا. وَنُقِلَ عَنْ

الصفحة 9