كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 2)

[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 276]
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
الرِّبَا: الزِّيَادَةُ يُقَالُ: رَبَا يَرْبُو وَأَرْبَاهُ غَيْرُهُ. وَأَرْبَى الرَّجُلُ، عَامَلَ بِالرِّبَا، وَمِنْهُ الربوة والرابي. وَقَالَ حَاتِمٌ:
وَأَسْمَرَ خَطِّيًّا كأن كعوبه ... نوى القشب قَدْ أَرْبَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْرِ
وَكُتِبَ فِي الْقُرْآنِ بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ بَعْدَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ بِالْيَاءِ لِلْكَسْرَةِ، وَبِالْأَلِفِ. وَتُبْدَلُ الْبَاءُ مِيمًا قَالُوا: الرِّمَا، كَمَا أَبْدَلُوهَا فِي كَتَبَ قَالُوا: كَتَمَ، وَيُثَنَّى: رِبَوَانِ، بِالْوَاوِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، لِأَنَّ أَلِفَهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْهَا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَكَذَلِكَ الثُّلَاثِيُّ الْمَضْمُومُ الْأَوَّلُ نَحْوُ: ضُحَى، فَتَقُولُ: رِبَيَانِ وَضَحْيَانِ، فَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا نَحْوَ: صَفَا، فَاتَّفَقُوا عَلَى الْوَاوِ.
وَأَمَّا الرِّبَا الشَّرْعِيُّ فَهُوَ مَحْدُودٌ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ.
تَخَبَّطَ: تَفَعَّلَ مِنَ الْخَبْطِ وَهُوَ الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِ اسْتِوَاءٍ، وَخَبَطَ الْبَعِيرُ الْأَرْضَ بِأَخْفَافِهِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يَتَصَرَّفُ وَلَا يَهْتَدِي: خَبْطَ عَشْوَاءَ، وَتَوَرَّطَ فِي عَمْيَاءَ. وَقَوْلُ عَلْقَمَةَ:
وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ أَيْ: أَعْطَيْتَ مَنْ أَرَدْتَ بِلَا تَمْيِيزٍ كَرَمًا.
سَلَفَ: مَضَى وَانْقَضَى، وَمِنْهُ سَالِفُ الدَّهْرِ أَيْ مَاضِيهِ.
عَادَ عَوْدًا: رَجَعَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى صَارَ، وَأَنْشَدَ:
تَعُدُّ فِيكُمُ جَزْرَ الْجَزُورِ رِمَاحُنَا ... وَيَرْجِعْنَ بِالْأَسْيَافِ مُنْكَسِرَاتِ
الْمَحْقُ: نُقْصَانُ الشَّيْءِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ. وَمِنْهُ: الْمَحَاقُ فِي الْهِلَالِ، يُقَالُ: مَحَقَهُ اللَّهُ فَانْمَحَقَ وَامْتَحَقَ أَنْشَدَ اللَّيْثُ:
يَزْدَادُ حَتَّى إِذَا مَا تَمَّ أَعْقَبَهُ ... كَرُّ الْجَدِيدَيْنِ نَقْصًا ثُمَّ يَنْمَحِقُّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّ مَا قَبْلَهَا وَارِدٌ فِي تَفْضِيلِ الْإِنْفَاقِ وَالصَّدَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ

الصفحة 703