كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 2)

بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وَلَا يَعْنِي مَنْ فَسَّرَهَا: بِجَمِيعِ، أَوْ قَالَ: هِيَ فِي مَعْنَى الْجَمِيعِ، إِلَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِهَا الْعُمُومَ نَحْوُ: مَا قَامَ أَحَدٌ، أَيْ: مَا قَامَ فَرْدٌ فَرْدٌ مِنَ الرِّجَالِ، مَثَلًا، وَلَا فَرْدٌ فَرْدٌ مِنَ النِّسَاءِ، لَا أَنَّهُ نَفَى الْقِيَامَ عَنِ الْجَمِيعِ، فَيَثْبُتُ لِبَعْضٍ، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا حُذِفَ فِيهِ الْمَعْطُوفُ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ، فَيَكُونُ أحد هنا بمعنى واحد، لَا أَنَّهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْعُمُومِ فِي النَّفْيِ. وَمِنْ حَذْفِ الْمَعْطُوفِ:
سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أَيْ وَالْبَرْدَ. وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِمًا ... أبو حجر إلا ليال قَلَائِلُ
أَيْ: بَيْنَ الْخَيْرِ وَبَيْنِي، فَحَذَفَ، وَبَيْنِي، لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا أَيْ: سَمِعْنَا قَوْلَكَ وَأَطَعْنَا أَمْرَكَ، وَلَا يُرَادُ مُجَرَّدُ السَّمَاعِ، بَلِ الْقَبُولُ وَالْإِجَابَةُ. وَقَدَّمَ: سَمِعْنَا، عَلَى: وَأَطَعْنَا، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ طَرِيقُهُ السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ بَعْدَهُ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَائِلًا هَذَا دَهْرَهَ.
غُفْرانَكَ رَبَّنا أَيْ: مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّكَ، أَوْ لِأَنَّ عِبَادَتَنَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِهَايَةِ الْكَمَالِ، فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِكَ تَقْصِيرٌ.
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ إِقْرَارٌ بِالْمَعَادِ. أَيْ: وَإِلَى جَزَائِكَ الْمَرْجِعُ، وَانْتِصَابُ: غُفْرَانَكَ، عَلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي يَعْمَلُ فِيهَا الْفِعْلُ مُضْمَرًا، التَّقْدِيرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ: اغْفِرْ لَنَا غُفْرَانَكَ، قَالَ السَّجَاوَنْدِيُّ: وَنَسَبَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ لِلزَّجَّاجِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: غُفْرَانَكَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلِهِ، يُقَالُ: غُفْرَانَكَ لَا كُفْرَانَكَ، أَيْ: نَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ. فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ: الْجُمْلَةُ طَلَبِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّانِي: خَبَرِيَّةٌ.
وَاضْطَرَبَ قَوْلُ ابْنِ عُصْفُورٍ فِيهِ، فَمَرَّةٌ قَالَ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ يَجُوزُ إِظْهَارُهُ، وَمَرَّةٌ قَالَ: هُوَ مَنْصُوبٌ يُلْتَزَمُ إِضْمَارُهُ. وَعَدَّهُ مَعَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَأَخَوَاتِهَا. وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ انْتِصَابَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، أَيْ: نَطْلُبُ، أَوْ: نَسْأَلُ غُفْرَانَكَ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمُ الرَّفْعَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، أَيْ: غُفْرَانُكَ بغيتنا.
والمصير: اسْمُ مَصْدَرٍ مَنْ صَارَ يَصِيرُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى: مَفْعِلٍ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي بِنَاءِ الْمَفْعِلِ مِمَّا عَيْنُهُ يَاءٌ نَحْوُ: يَبِيتُ، وَيَعِيشُ، وَيَحِيضُ، وَيَقِيلُ، وَيَصِيرُ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ، نَحْوُ: يَضْرِبُ، يَكُونُ لِلْمَصْدَرِ بِالْفَتْحِ، يَكُونُ

الصفحة 759