كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 2)

وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالرَّبِيعُ، وَابْنُ زَيْدٍ: الْإِصْرُ: الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ أَيْضًا: الْإِصْرُ: الذَّنْبُ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا تَوْبَةَ مِنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ:
الْإِصْرُ: الْأَمْرُ الْغَلِيظُ الصَّعْبُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْإِصْرُ: الْمَسْخُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَقِيلَ: الْإِثْمُ.
حَكَاهُ ثَعْلَبٌ. وَقِيلَ: فَرْضٌ يَصْعُبُ أَدَاؤُهُ، وَقِيلَ: تَعْجِيلُ الْعُقُوبَةِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مِحْنَةٌ تَفْتِنُنَا كَالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْجَعْلِ لِمَنْ يَكْفُرُ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْعِبْءُ الَّذِي يَأْصِرُ صَاحِبَهُ، أَيْ يَحْبِسُهُ مَكَانَهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، اسْتُعِيرَ لِلتَّكْلِيفِ الشَّاقِّ مِنْ نَحْوِ: قَتْلِ النَّفْسِ، وَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْجِلْدِ وَالثَّوْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى.
قَالَ الْقَفَّالُ: مَنْ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ، وَقَفَ عَلَى مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَلِيظِ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، وَرَأَى الْأَعَاجِيبَ الْكَثِيرَةَ.
وَقَرَأَ أُبَيٌّ: وَلَا تُحَمِّلْ، بِالتَّشْدِيدِ، وَ: آصَارًا، بِالْجَمْعِ. وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ:
أُصْرًا، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ. وَ: الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، الْمُرَادُ بِهِ الْيَهُودُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَالنَّصَارَى.
رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ قَالَ قَتَادَةُ: لَا تُشَدِّدْ عَلَيْنَا كَمَا شَدَّدَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا تُحَمِّلْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ. وَقَالَ نَحْوَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَا تَمْسَخْنَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَقَالَ مَكْحُولٌ، وَسَلَّامُ بْنُ سَابُورَ: الَّذِي لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ الْغُلْمَةُ، وَحَكَاهُ النَّقَّاشُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غُلْمَةٍ لَيْسَ لَهَا عِدَّةٌ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: الْحُبُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ: الْعِشْقُ، وَقِيلَ: الْقَطِيعَةُ. وَقِيلَ: شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ.
رَوَى وَهَبٌ أَنَّ أَيُّوبَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ لَهُ: مَا كَانَ أَشَقُّ عَلَيْكَ فِي بَلَائِكَ: قَالَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ
قَالَ الشَّاعِرُ:
أَشْمَتِّ بِيَ الْأَعْدَاءَ حِينَ هَجَرْتِنِي ... وَالْمَوْتُ دُونَ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ
وَقَالَ السُّدِّيُّ: التَّغْلِيظُ وَالْأَغْلَالُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ التَّحْرِيمِ. وَقِيلَ: عَذَابُ النَّارِ. وَقِيلَ: وَسَاوِسُ النَّفْسِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ التَّفَاسِيرُ عَلَى أَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، لَا عَلَى سَبِيلِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ.
وَ: مَا، فِي قَوْلِهِ مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ عَامٌّ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي تِلْكَ: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا فَشَبَّهَ الْإِصْرَ

الصفحة 765