كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 2)

أقل من ثلاثة أذرع- امرأة بالغة، أَوْ حمار، أَوْ كلب أسود؛ فإن الصلاة تبطل، وعليه أن يستأنفها، وهذا هو الصواب.
وذهب الجمهور إلى أن الصلاة لا تبطل، ولكن ينقص ثوابها (¬١)، وتأوَّلوا قوله: ((يَقْطَعُ صَلَاتَهُ))، بمعنى: ينقص ثوابها، واستدلوا بأحاديث، منها: ((لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ)) (¬٢)، ولكنه حديث ضعيف، والصواب: أنها تبطل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود، أما المرأة والحمار فلا يقطعانها (¬٣)، واستدلوا بحديث عائشة الآتي أنها قالت: ((عَدَلْتُمُونَا بِالكِلَابِ وَالحُمُرِ))، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي أمامه، كما سيأتي تفصيله، ولحديث ابن عباس لما مر بين يدي بعض الصف وأرسل الأتان ترتع.
وقوله: ((الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ))، يعني: من جنسه؛ فالمتمرد من كل شيء يسمى شيطانًا.
والمراد بالمرأة: المرأة البالغة، كما في الحديث ((يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ)) (¬٤).
ولم تُذكر العلةُ في المرأة والحمار كما ذُكرت في الكلب بأنه شيطان، ويحتمل أن المرأة تلهي، والحمار معه شيطان؛ ولهذا إذا نهق تُشرع الاستعاذة بالله من الشيطان، والله أعلم.
---------------
(¬١) المبسوط، للسرخسي (١/ ١٩١)، المدونة، لمالك بن أنس (١/ ٢٠٣)، مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (١/ ٤٢١)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي (١/ ٢١٥).
(¬٢) أخرجه أبو داود (٧١٩)، والبيهقي في الكبرى (٣٥١٠)، وضعَّفه الزيلعي في نصب الراية (٢/ ٧٦).
(¬٣) مسائل الإمام أحمد، للكوسج (٢/ ٦٤١ - ٦٤٢)، المغني، لابن قدامة (٢/ ١٨٣ - ١٨٤).
(¬٤) أخرجه أحمد (٣٢٤١)، وأبو داود (٧٠٣)، والنسائي (٧٥١).

الصفحة 169