كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 2)
المضمومة جمع جريء من الجراءة، وهي الإقدام والتسلط، فكان قومه متجرئين عليه، لا يؤمنون به، بل ويؤذونه، وقيل: ((حِرَأَئ)) (¬١): بالحاء المهملة المكسورة، أي: غضاب عليه، وذوُو غم وغيظ وحنق؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن معه أحد إلا قلة من أصحابه، فلهذا تجرؤوا عليه.
وقوله: ((فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ ))، ولم يقل: ((مَنْ أَنْتَ)) مع أن (ما) يؤتى بها لغير العاقل، و (من) للعاقل؛ وذلك لأن المقصود الصفة، يعني: أنا الآن أسمع عنك أخبارًا، فما صفتك؟
وقوله: ((فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ، فَأْتِنِي)): هذا فيه عَلَم من أعلام النبوة، وهو إخباره صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر، وفيه: ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه، وأن الله سيُظهر دينه، وسينصره على أعدائه.
وقوله: ((يَثْرِبَ)): اسم المدينة سابقًا، كانت تسمى يثرب، وهو اسم قديم جاهلي، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم ((المدينة))، و ((طيبة))، و ((طابة)) (¬٢)، وأما قول الله تعالى: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} فهذا إخبار من الله تعالى أن المنافقين هم الذين قالوا ذلك.
وقوله: ((مَحْضُورَةٌ))، أي: تحضرها الملائكة.
وقوله: ((ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ)): أقصر- بكسر الصاد- يعني: أمسِك عن الصلاة.
وقوله: ((فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ)): الفيء: الظل بعد الزوال، يقال له: فيء، وأما الظل فيشمل ما قبل الزوال وما بعده.
وقوله: ((وَخَيَاشِيمِهِ)): جمع خيشوم، وهو أقصى الأنف.
وفي هذا الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام أتى في إجابته بمهمات الأمور، ولم يأتِ
---------------
(¬١) الجمع بين الصحيحين، للحميدي (٣٠٧٥).
(¬٢) أخرجه البخاري (١٤٨٢)، ومسلم (١٣٨٧).