كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 2)

بعضهم: إنه ذم للبيان (¬١)، وقيل: بل هو مدح، وهو الأقرب؛ ولهذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، يعني: علامة على فقهه، ولا شك أن قصر الخطبة من البيان المحمود.

[٨٧٠] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)).
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَقَدْ غَوِيَ.
قوله: ((فَقَدْ غَوَى)) روي بفتح الواو، وبكسرها.
وقوله: ((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) اختلف العلماء في الجمع بين هذا الحديث وحديثُ أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ... )) (¬٢)، فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الضمير العائد على الله تعالى، والضمير العائد على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مِمَّا سِوَاهُمَا))، وهذا الخطيب لما قال: ((وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى))، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))، أي: لا تجمع ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم مع ضمير الرب تبارك وتعالى.
فقيل: إن هذا الحديث منسوخ بحديث أنس: ((أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)).
وقيل: إن النهي عن جمع الضميرين معًا محمول على الأدب والتنزيه،
---------------
(¬١) فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٢٣٧).
(¬٢) أخرجه البخاري (١٦)، ومسلم (٤٤).

الصفحة 614