كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

مثلِ هذا نُهِيَ أنْ يقبلَ هديَّتَه ويُهادِنَه ويُقِرَّه على دينِه مع قُدرَته عليه، أو طَمَعِه في هِدايَتِه؛ لأنّ في قَبولِ هديَّتِه حَمْلًا على الكَفِّ عنه، وهو قد أُمِرَ أنْ يُقاتِلَ الكفار حتى يقولوا: لا إلهَ إلّا الله.
وقال آخرون: كان مُخيَّرًا في قبولِ هديَّتِهم وتَرْكِ قَبُولها؛ لأنّه كان من خُلُقِه - صلى الله عليه وسلم - أن يُثيبَ على الهديةِ بأحسَنَ منها، فلذلك لم يقبلْ هديَّةَ مُشركٍ لئلَّا يُثيبَه بأفضلَ منها، والله أعلمُ.
أخبرنا عليُّ بن إبراهيم، قال: حدَّثنا الحسنُ بن رَشيقٍ، قال: حدَّثنا أبو بكرٍ أحمدُ بن محمد بن سلَّام البَغْداديُّ، قال: حدَّثنا داودُ بن رُشيدٍ (¬١)، قال: حدَّثنا عيسَى بن يونسَ، عن هشام بن عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، قالت: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقبَلُ الهديَّة ويُثيبُ عليها (¬٢).
وقد قيل: إنّه إنّما ترك ذلك تَنَزُّهًا، ونَهَى عن زَبْدِ المشركين لما في التَّهادي والزَّبْدِ من التَّحابِّ وتَلْيينِ القلوبِ، واللهُ عزَّ وجلَّ يقول: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢]، والله أعلمُ بما أرادَ رسولُه بقوله ذلك. وقد قَبِلَ - صلى الله عليه وسلم - هديَّةَ قومٍ من المشركين، وأجازَ قَبُولَها جماعةٌ من الفقهاءِ على وجُوهٍ، نذكُرُ منها ما حضَرنا ذِكرُه إنْ شاءَ الله.
حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن سفيانَ قراءةً منِّي عليه، أنَّ قاسِمَ بن أصبغَ حدَّثهم، قال: حدَّثنا عُبيدُ بن عبد الواحدِ، قال: حدَّثنا محَبُوبُ بن موسى. (ح) وقرَأتُ عليه أيضًا أنَّ قاسِمَ بن أصبَغَ حدَّثهم، قال: حدَّثنا ابنُ وضَّاح، قال:
---------------
(¬١) بعد هذا في م: "قال: حدثنا إبراهيم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سلام البغدادي، قال: حدثنا داود بن رشيد" وهو تكرار لا معنى له.
(¬٢) أخرجه البخاري (٢٥٨٥) عن مسدد، عن عيسى بن يونس، به.

الصفحة 18