كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

وقال الرَّبيعُ عن الشَّافعيِّ في كتاب الزَّكاة (¬١): إذا أهْدَى واحدٌ من القومِ للوَالي هديَّةً، فإنْ كانت لشَيءٍ نالَ منه حقًّا أو باطلًا، فحرامٌ على الوَالي أخْذُها؛ لأنّه حرامٌ عليه أن يَستَجعِلَ على الحقِّ، وقد ألزَمه اللهُ ذلك، وحرامٌ عليه أن يأخُذَ لهم باطلًا، والجُعْلُ عليه حرامٌ. قال: وإنْ أهْدَى إليه أحَدٌ من أهل ولايَتِه على غير هذين المَعنَييْن تفضلًا أو تَشكُّرًا لحسنٍ (¬٢) كان منه في العامة (¬٣)، فلا يقْبَلُها، وإنْ قَبِلَها كانت في الصَّدقات، ولا يسَعُه عندي غيرُه إلّا أن يُكافِئَه من مالِه عليه بقَدْرِ ما يسَعُه به أنْ يَتَموَّلَها. قالْ وإنْ أُهْدِيَتْ هديَّة إلى رجلٍ ليس بذي سُلطانٍ شكْرًا على حسنٍ كان منه، فأحَبُّ إليَّ ألّا يقْبَلَها، ولا تحرُمُ عليه عندي إنْ قَبِلَها وأخَذها، وأحَبُّ إليَّ أنْ يدَعَ قَبُولَها، ولا يأخُذَها على الحسن مُكافأةً. هذا كلُّه هو المشهورُ من قولِ الشَّافعيِّ في كُتُبه الظاهرةِ عندَ أصحابِه.
وقد رُوِيَ عنه أنّ الحاكم إذا أُهديَتْ إليه هديَّةٌ من أجل حُكمِه، فحَكَمَ بالحَقِّ على وجهِه لم تَحْرُمْ عليه.
وأمّا العراقيُّون، فقال أبو يوسف: ما أهْدَى مَلِكُ الرُّوم إلى أميرِ الجيش فهو له خاصَّةً، وكذلك ما يُعطَى الرسول (¬٤).
قال أبو عُمر: احتجَّ بعضُ مَن ذهب هذا المذهبَ، وقال: إنَّ الهديَّةَ تكونُ مِلْكًا للمُهْدَى له وإنْ كان واليًا، ولا تكونُ فيئًا؛ احتجَّ بإجماعِهم على أنَّ للإمامِ ألّا يَقْبَلَ هديَّةَ الكُفَّارِ. قالوا: ولو كانت فَيئًا لَما كان له ألّا يَقْبَلَها ويَرُدَّها على الحربيِّين.
---------------
(¬١) الأم ٢/ ٥٨، ومختصر اختلاف العلماء ٣/ ٤٩٩.
(¬٢) في الأصل: "بحسن" وما هنا من ف ١ ويعضده ما في الأم.
(¬٣) في الأم: "المعاملة".
(¬٤) مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٤٩٨.

الصفحة 20