كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

قال أبو عُمر: كان عُمرُ رضي الله عنه في حين هذا الخبرِ خليفةً، وقد تقدَّم القولُ فيما للخلفاءِ والأمراءِ وسائر الولاة من الحُكْم في الهديَّة، ويَحْتَملُ أنْ يكونَ ذلك الرجلُ من أهل بيته قد عَلِمَ في كسبِه شيئًا أوجبَ التَّنزُّهَ عن هديَّتِه.
وأما قولُه في الحديث: "شراكٌ أو شِرَاكان من نارٍ". وقولُه في حديث عَمْرِو بن شعيب: "أَدُّوا الخَيْطَ والمِخْيَط" (¬١). فيدُلُّ على أنّ القليلَ والكثيرَ لا يحلُّ لأحدٍ أخذُه في الغزو قبلَ المقاسم، إلّا ما أجمعُوا عليه من أكل الطعام في أرض العدوِّ، ومن الاحتطابِ والاصطياد، وهذا أولَى ما قيل به في هذا الباب، وما خالَفه مما جاءَ عن بعض أصحابنا وغيرهم فليس بشيء؛ لأنّ عمومَ قول الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] يُوجِبُ أنْ يكونَ الجميعُ غنيمةً، خمسُها لمَن سمَّى اللهُ، وأربعةُ أخماسِها لمَن شَهِدَ القتالَ من البالغين الأحرار الذكور، فلا يحِلُّ لأحدٍ منها شيءٌ إلّا سهمُه الذي يقعُ له في المقاسم بعد إخراجِ الخمس المذكور، إلّا أنّ الطعامَ خرج بدليل إخراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له عن جملةِ ذلك؛ فمن ذلك حديثُ عبد الله بن مُغفَّلٍ في الجرابِ بالشحم (¬٢)، وحديثُ عُتبةَ بن
---------------
(¬١) قطعة من حديث حسن أخرجه أحمد (٦٧٢٩) وابن الجارود في المنتقى (١٠٨٠)، من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية ابن الجارود.
وأخرجه ابن زنجوية في الأموال (١١٣٨) و (١٢٣٤) من طريق ابن عجلان وعمرو بن دينار عن عمرو بن شعيب، به.
وأخرجه البيهقي في الكبرى من طريق عمرو بن دينار عن عمرو بن شعيب (١٣٥٥٥).
والحديث مروي من حديث عبادة بن الصامت عند أحمد (٢٢٧٥١) و (٢٢٧٦٦) و (٢٢٨٢٨) و (٢٢٨٤٧)، وابن ماجة (٢٨٥٠)، والحاكم في المستدرك (٤٣٧٠)؛ ومن حديث العرباض بن سارية أخرجه أحمد (١٧١٩٤)، والطبراني في الأوسط (٢٤٢٣)، والبزار (٤١٩٧)، والبيهقي في السنن والآثار (٤٠٩٩).
(¬٢) أخرجه البخاري (٣١٥٣) و (٤٢١٤) و (٥٥٠٨)، ومسلم (١٧٧٢) (٧٢).

الصفحة 24