كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

وقال الشَّافعيُّ وداودُ بن عليٍّ: إن كان عالمًا بالنَّهي عُوقِبَ، وهو قولُ اللَّيث.
قال الشَّافعي: وإنّما يُعاقَبُ الرَّجلُ في بدَنِه لا في مالِه (¬١).
قال أبو عُمر: اختلافُ العلماءِ في العقوبةِ في المالِ دونَ البدَنِ، أو البدنِ دونَ المالِ، قد ذكَرْنَاه في غير هذا المكان. وقال الأوزاعيُّ: يُحرَقُ متاعُ الغالِّ كلُّه إلّا سلاحَه، وثيابَه التي عليه، وسَرْجَه، ولا تُنْتَزَعُ منه دابَّتُه، ويُحْرَقُ سائرُ متاعِه كلِّه، إلّا الشيءَ الذي غَلَّ، فإنه لا يُحرَقُ ويُعاقَبُ مع ذلك (¬٢). وقولُ أحمدَ وإسحاقَ كقولِ الأوزاعيِّ في هذا الباب كلِّه. ورُوِيَ عن الحسن البصريِّ أنّه قال: يُحرَقُ رحْلُه كلُّه، إلّا أن يكونَ حيوانًا أو مُصحفًا (¬٣). وممن قال: يُحرَقُ رحلُ الغالِّ ومتاعُه: مكحولٌ وسعيدُ بن عبد العزيز. وحجَّةُ من ذهَب إلى هذا القولِ حديثُ صالح المذكورُ، وهو عندَنا حديثٌ لا يجبُ به انتهاكُ حرمةٍ، ولا إنفاذُ حكمٍ، مع ما يُعارِضُه من الآثارِ التي هي أقوَى منه.
فأمّا روايةُ من روَى: "فاضرِبُوا عنقَه، وأحرِقُوا متاعَه". فإنّه يُعارِضُه قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ دمُ امرئ مسلم إلّا بإحدَى ثلاثٍ" الحديث (¬٤)، وهو ينفِي القتلَ في الغُلول. وروَى ابنُ جُريج، عن أبي الزُّبير، عن جابرٍ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على الخائنِ، ولا على المُنتَهِبِ، ولا على المُخْتَلِس قطعٌ" (¬٥). وهذا أيضًا يُعارضُ
---------------
(¬١) ذكر قول الشافعي هذا: البيهقي في معرفة السنن والآثار (١٣/ ٢٦٩).
(¬٢) السير لأبي إسحاق الفزاري، ص ٩٥.
(¬٣) أخرجه عبد الرزاق (٩٥٠٨)، وسعيد بن منصور (٢٧٣٠)، وابن أبي شيبة (٢٩٢٨٠)، و (٣٤٢٢٦).
(¬٤) أخرجه البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦)، من حديث: عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.
(¬٥) إسناده صحيح، وقد صرح ابن جريج بسماعه، من أبي الزبير كما عند عبد الرزاق والدارمي.
أخرجه عبد الرزاق (١٨٨٤٤) و (١٨٨٥٨) و (١٨٨٦٠)، وابن أبي شيبة (٢٩٢٥٣) و (٢٩٢٦١)، وأحمد ٢٣/ ٣٠٣ (١٥٠٧٠)، والدارمي (٢٣٥٦)، وأبو داود (٤٣٩١) و (٤٣٩٢) =

الصفحة 28