كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

أبي طالبٍ، وأبي سعيدٍ، وبُرَيْد الأسْلَميِّ، وجابرٍ (¬١)، وأنسٍ (¬٢)، وغيرِهم، وهو حديثٌ صحيحٌ.
وفيه من الفقه: تَرْكُ الإقدام على ما في النَّفْسِ منه شَكٌّ، حتى يَسْتَبْرِئَ ذلك بالسُّؤالِ والبحثِ والوقوفِ على الحقيقة.
وفيه أنَّ حديثَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه النَّاسِخُ والمنسوخُ، كما في كتابِ الله عزَّ وجلَّ، وهذا إنّما يكونُ في الأوامرِ والنواهي من الكتابِ والسُّنة، وأمَّا في الخبرِ عن الله عزَّ وجلَّ أو عن رسولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يجوزُ النَّسخُ في الأخبارِ البَتَّةَ بحالٍ، لأنَّ المخْبِرَ عن الشيءِ أنَّه كان أو يكونُ، إذا رجَع عن ذلك لَمْ يَخْلُ من السَّهْوِ أو الكذبِ، وذلك لا يُعْزَى إلى الله ولا إلى رسولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يُخْبِرُ به عن رَبِّه في دينِه، وأمَّا الأمرُ والنَّهْيُ فجائزٌ عليهما النسخُ؛ للتَّخْفيفِ، ولِما شاء اللهُ من مصالح عبادِه، وذلك من حكمتِه لا إلهَ إلَّا هو.
وقد أنكَر قومٌ من الرَّوافِضِ والخوراج النسخَ في القرآنِ والسُّنةِ، وضاهَوا
---------------
(¬١) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٦٢٢ (١٣٩٢) عن أبي الزُّبير المكي عنه. وهو عند مسلم (١٩٧٢) من طريق مالك، به. وهو الحديث الثاني لأبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأحاديث علي وأبي سعيد وبُريدة رضي الله عنهم سيأتي تخريجها في أثناء هذا الشرح.
(¬٢) أخرجه أحمد في المسند ٢١/ ١٤١ (١٣٤٨٧) و ٢١/ ٢٢٢، ٢٢٣ (١٣٦١٥)، وأبو يعلى في مسنده ٦/ ٣٧٣ (٣٧٠٧) من طرق عن يحيى بن الحارث بن جابر عن عبد الوارث مولى أنس بن مالك وعمرو بن عامر الأنصاري عنه رضي الله عنه، وإسناده ضعيف لضعف يحيى بن الحارث: وهو يحيى بن عبد الله بن الحارث الجابر، قال ابن معين: ضعيف، وفي رواية: لا شيء، وضعّفه أبو حاتم والنسائي كما في تهذيب الكمال ٣١/ ٤٠٥ - ٤٠٦، وقال ابن حجر في التقريب (٧٥٨١): "ليِّن الحديث"، ولكن معناه صحيح من غير هذا الوجه.

الصفحة 578