كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

فإنِ انْتَبَذ أحدٌ في شيءٍ منها ولم يَشْرَبْ مُسْكِرًا، فلا حرجَ عليه. والأوعِيَةُ التي نُهِيَ عن الانتباذِ فيها هي: الدُّبَّاءُ (¬١)، والنَّقِيرُ (¬٢)، والحَنتمُ (¬٣)، والمُزَفَّتُ (¬٤)، والمقَيَّرُ، والجَرُّ (¬٥)، وما كان مثلَها. وبذكرِ هذه الأوعيةِ ورَدتِ الآثارُ في كراهيةِ النَّبيذِ فيها. وكان عبدُ الله بنُ عمرَ وعبدُ الله بنُ عباسٍ لا يرَيانِ الانْتِباذ في شيءٍ منها بحالٍ، لِما رَوَيا عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من النَّهْي عنها وعن نَبِيذِ الجَرِّ، وكان ابنُ عباسٍ يقولُ: الجَرُّ كلُّ ما يُصنعُ من مَدَرٍ (¬٦). وكانا لا يُجِيزانِ النَّبيذَ إلَّا في الجُلودِ، بعضُهم يقولُ: أسْقيَةُ الأدَم. وبعضُهم يقولُ: الجِلْدُ الموكَأُ عليه. ونحوُ هذا. وابنُ عباسٍ هو الذي روَى حديثَ وَفْدِ عبدِ القَيْسِ، وفيه النَّهْيُ عن الشرب في الدّبّاءِ، والنَّقيرِ، والمقَيَّرِ، وبعضُهم يقولُ: المُزَفَّتِ والحَنْتَم. وفي ذلك الحديثِ أَنَّهم قالوا: يا رسولَ الله، أرأيتَ إنِ اشْتَدَّ في الأسْقِيةِ؟ قال: "فصُبُّوا عليه الماءَ". قالوا: يا رسولَ الله! فقال لهم في الثالثةِ أو الرابعة: "أهريقوه". ثم قال: "إنَّ اللهَ حرَّم الخمرَ والميسرَ، وكلُّ مسكرٍ حرامٌ" (¬٧).
---------------
(¬١) الدُّبّاء: القَرْع، الواحدة دُبّاءة. الصحاح (دبي).
(¬٢) النَّقير: أصل النّخلة يُنقر فينبذ فيه. تهذيب اللغة ٩/ ٩٢.
(¬٣) الحَنْتَم: جرار مدهونة خُضر كانت تُحمل الخمر فيها إلى المدينة، ثم اتُّسع فيها، فقيل للخزف كلِّه حنتم، واحدتُها حنتمة. النهاية لابن الأثير ١/ ٤٤٨.
(¬٤) المُزفّت: الإناء المطليّ بالزِّفت: وهو القار، يُنتبذ فيه. كشف المشكل من الصحيحين لابن الجوزي ٢/ ٣٨٢.
(¬٥) والجَرّ: الإناء المعروف من الفَخّار، وأراد بالنهي عن الجرار المدهونة لأنَّها أسع في الشدّة والتخمير. النهاية لابن الأثير ١/ ٢٦٥.
(¬٦) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ٣٠٦ (٣٢٥٧)، ومسلم (١٩٩٧) من حديث سعيد بن جبير، عنه رضي الله عنهما.
(¬٧) أخرجه بهذا السياق أبو داود (٣٦٩٦)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٢١ (٦٤٧٨)، وابن حبّان في صحيحه ١٢/ ١٨٧ (٥٣٦٥) من طرق عن سفيان الثوري عن عليّ بن بذيمة عن قيس بن حبتر عنه رضي الله عنهما. وإسناده صحيح.
وأخرجه بنحوه البخاري (٥٢٣)، ومسلم (١٧) من حديث أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي عنه رضي الله عنهما.

الصفحة 582