كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

في هذه الأوعيةِ مع دُرْعَتِهم إلى القولِ بما صَحَّ عندَهم من الآثارِ المسندةِ، إلَّا ما ذكَرْنا، وباللّه التوفيقُ.
وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: لا بأسَ بالانتِباذِ في جميع الأواني (¬١). وحجَّتُهم الآثارُ التي ذُكِر فيها النَّسْخُ لما قبلَها، ورَوَوْا عن إنس أنَّه كان يُنْبَذُ له في جَرَّةٍ خَضْرَاءَ (¬٢). وهو أحدُ من روَى النَّهْيَ عن نَبِيذِ الجَرِّ، فدَلَّ ذلك على أنَّه مَنْسُوخٌ.
فأمَّا الآثارُ في هذا الباب، فحَدَّثَنَا خلفُ بنُ سعيدٍ، قال: حَدَّثَنَا عبدُ الله بنُ محمدٍ، قال: حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ خالدٍ، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بنُ عبدِ العزيز، قال: حَدَّثَنَا سعيدُ بنُ منصورٍ، قال: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بنُ سليمانَ، عن محمدِ بنِ عمرٍو العُتْواريِّ، قال: حدَّثني أبي، أنَّ عبدَ الله بنَ عمرِ مرَّ به، فقال له: أين أصبحْتَ غاديًا يا أبا عبدِ الرَّحمن؟ قال: أردْتُ أبا سعيدٍ الخدريَّ. قال: فانطَلَقْتُ معه، فقال له ابنُ عمرَ: يا أبا سعيدٍ، ما حديثٌ بلَغَني عنك أنَّك تُحَدِّثُه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في لحوم الأضَاحِيِّ وادِّخَارِها بعدَ ثلاثٍ، وفي زيارةِ القبورِ، وفي الأنْبِذَةِ؟ فقال أبو سعيدٍ: سمِعتُ رسولَ الله - عَزَّ وَجَلَّ - يقولُ: "نَهَيْتُكم عن لحومِ الأضاحيِّ وادِّخارِها بعدَ ثلاثٍ، فقد جاء اللهُ بالسَّعَةِ، فكُلوا، وادَّخِروا ما بدَا لكم، وكنتُ نَهَيْتُكم عن زيارةِ القبور، فإن زُرْتُموها فلا تقولوا هُجْرًا، ونهَيتُكم عن الأنبذَةِ،
---------------
(¬١) نقله عن أبي حنيفة وأصحابه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٦٧.
(¬٢) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٢٩ (٦٥٤٨) من طريق أبي جعفر الرازي عيسى بن أبي عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس، قال: دخلت على أنس فرأيت نبيذه في جرَّة خضراء. وأبو جعفر الرازي صدوق سيئ الحفظ.
وأخرجه ٤/ ٢٢٩ (٦٥٤٩) من طريق حجاج بن المنهال عن حمّاد بن سلمة عن حمّاد بن أبي سليمان، قال: دخلت على أنس، فذكر نحوه. وإسناده حسن لأجل حمّاد بن أبي سليمان فهو صدوق حسن الحديث.

الصفحة 584