كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

نَهَيْتُكم أنْ تَنتَبِذوا في الدُّبَّاءِ، والحَنْتَمِ، والمُقَيَّرِ، والمُزَفَّتِ، فانْتَبِذوا، ولا أُحِلُّ مسكرًا" (¬١).
وروَى أبو بُرْدَةَ بنُ نِيارٍ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثلَه أو نحوَه (¬٢).
---------------
(¬١) أخرجه أبو عوانة في المستخرج ٥/ ١٠٣ (٧٩٥٥)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٢٨ (٦٥٣٩)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٣١٠ (١٧٩٣٩) من طرق عن سعيد بن أبي مريم عن نافع بن يزيد الكَلاعي، عن يعقوب بن مجاهد القاص، أبي حرزة، عن عبد الرَّحمن بن جابر بن عبد الله، به. وإسناده صحيح.
(¬٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٤٤١١)، والنسائي في المجتبى (٥٦٧٧)، وفي الكبرى ٥/ ١٠٥ (٥١٦٧)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٢٨ (٦٥٤١) من طريق أبي الأحوص - وهو سلّام بن سُليم الحنفي - عن سماك بن حرب، عن القاسم بن عبد الرَّحمن عن أبيه عبد الرَّحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبي بُردة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اشربوا في الظُّروف، ولا تسكروا" لفظ ابن أبي شيبة والنسائي، ولفظ الطحاوي: "إني كنت قد نهيتكم عن الشُّرب في الأوعية، فاشربوا فيما بدا لكم، ولا تسكروا".
قال النسائي: "هذا حديث منكر غَلِطَ فيه أبو الأحوص سلّام بن سُليم، لا نعلم أحدًا تابعه عليه من أصحاب سماك بن حرب، وسماك ليس بالقويّ، وكان يقبل التلقين، قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث".
وقد أبان أبو زُرعة وجْهَ الوهم من أبي الأحوص، فقال فيما نقل عنه ابن أبي حاتم في علله ٤/ ٤٣٨ (١٥٤٩): "فوهم أبو الأحوص، فقال: عن سماك عن القاسم عن أبيه عن أبي بردة. قَلَب من الإسناد موضعًا، وصحَّف في موضع؛ أمّا القَلْبُ فقوله: "عن أبي بُردة"، أراد: عن ابن بُريدة، ثم احتاج أن يقول: "ابن بريدة عن أبيه، فقلب الإسناد بأسرِه وأفحشَ في الخطإ. وأفحشُ من ذلك وأشنع تصحيفه في متنه". قلنا: يعني في قوله: "اشربوا في الظروف ولا تسكروا" ثم بيَّن وجه الصواب في متنه بعدما ذكر جملة الرواة الذين رووه عن ابن بُريدة عن أبيه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلفظ: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسِكُوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلّا في سقاءٍ، فاشربوا في الأسقية، ولا تشربوا مُسْكرًا" وفي حديث بعضهم قال: "واجتنبوا كلّ مسكر" قال: "ولم يقل أحدٌ منهم: ولا تسْكَروا؛ وقد بان وهمُ حديث أبي الأحوص من اتفاق هؤلاء المُسَمَّينَ على ما ذكرنا خلافه". وينظر: العلل للدارقطني ٦/ ٢٦ (٩٥٥). وسيأتي الحديث على وجهه الصحيح أثناء هذا الشرح.

الصفحة 587