كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 2)

رمَل بالبيت، وأنَّ ذلك سُنَّةٌ. قال: صدَقوا وكذَبوا (¬١). قلتُ: ما صدَقوا، وما كذَبوا؟ قال: صدَقُوا؛ قد رمَل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حينَ طاف بالبيتِ، وكذَبوا؛ ليس ذلك بسُنَّةٍ، إنَّ قريشًا قالت زمنَ الحُدَيْبية: إنّ به وبأصحابِه هُزْلًا. وقَعَدوا على قُعَيْقِعَانَ (¬٢) ينظرون إليهم، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لأصحابه: "ارْمُلُوا أَرُوهم أنّ بكم قوةً". فكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَرْمُلُ من الحَجَرِ الأسودِ إلى الركن اليَماني، فإذا توارَى عنهم مشَى. هكذا حدَّث به فِطْرٌ (¬٣)، عن أبي الطفيل. ورواه أبو عاصمٍ الغَنَويُّ (¬٤)، وابنُ أبي حُسينٍ (¬٥)، عن أبي الطفيل نحوَه.
واحتجُّوا أيضًا بما رواه حمادُ بن زيدٍ، عن أيوبَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ قال: قدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه مكةَ، فقال المشركون: إنّه يقدَمُ عليكم قومٌ قد وهَنَتْهم حُمَّى يثربَ. فلمّا قدِموا قعَد المشركون ممّا يلي الحِجْرَ، فأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه أن يرمُلُوا الثلاثةَ، وأن يمشُوا ما بينَ الرُّكنين. قال ابن عباس: ولم يمنَعْه أن يرمُلُوا الأشواطَ كلَّها إلّا إبقاءٌ عليهم (¬٦).
وبما رواه فُضيْلُ بن عياضٍ، عن ليثٍ، عن طاوسٍ وعطاءٍ، عن ابن عباسٍ
---------------
(¬١) الكذب بلغة أهل الحجاز يطلق على الخطأ.
(¬٢) جبل بمكة يشرف على الركن العراقي.
(¬٣) حديث فطر عن أبي الطفيل أخرجه أحمد ٣/ ٤٧١ (٢٠٢٩)، والحميدي (٥١١)، والبزار (٤٦٨٧)، وابن حبان (٣٨١١) و (٣٨٤١)، والطبراني في الكبير (١٠٤٧٨)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٢/ ١٨٠، والطبراني في الكبير (١٠٦٢٥) و (١٠٦٢٦)، وإسناده صحيح.
(¬٤) حديث أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل أخرجه الطيالسي (٢٨٢٠)، وأبو داود (١٨٨٧) و (٢٧٠٧)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٢/ ١٧٩، والطبراني في الكبير (١٠٤٨٠)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ١٥٣.
(¬٥) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وهو في صحيح مسلم (١٢٦٤) (٢٣٨).
(¬٦) أخرجه البخاري (١٦٠٢) و (٤٢٥٦)، ومسلم (١٢٦٦) (٢٤٠).

الصفحة 74