كتاب المعتصر من المختصر من مشكل الآثار (اسم الجزء: 2)

لا يقال هذا يدفع ما رويتموه فيما فعل بالعرنيين ويدفعه أيضا ما روي عن شداد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليعد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" فإذا أبيح قتل ابن آدم صار كسائر الحيوانات بل أولى لأن الذي كان من الرسول صلى الله عليه وسلم في العرنيين هو الحكم يومئذ قبل نزول آية المحاربة ثم نسخ ألا ترى أن رجم في ذلك المدة حتى يموت بذلك وإن هرب اتبع حتى يؤتى على نفسه قد يتسع الزاني المحصن بالنسبة إلى القتل بالسيف ومع هذا مشروع اليوم فالحاصل أنه لا يخرج عن عقوبات الله تعالى إلى ما سواها مما هو أكثر منها.
في المرتد
روي أن علي بن أبي طالب أتى بقوم زنادقة ارتدوا عن الإسلام ووجدوا معهم كتب فأمر بنار فأججت فألقاهم فيها وكتبهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو أني كنت لقتلتهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" ولم أحرقهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله" ذهب بعض إلى أن المرتد عن الإسلام يجب قتله تاب أو لم يتب وجعل الارتداد موجبا للقتل جزاء لما كان منه كالسارق والزاني لا يسقط الحد عنهما بتوبتهما والحجة لمن خالفهم أن اسم الزنا والسرقة لا يفارقهما وإن تاب بخلاف المرتد إذا عاد إلى الإسلام لم يجز أن يسمى كافرا لأنه مسلم فاستحال أن يسمى كافرا مسلما في حال واحد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا} فأثبت منهم الإيمان بعد كفرهم فعقلنا أن من لزمه اسم معنى ولم يزل ذلك الاسم عنه فهو من أهله تقام عيه عقوبته وإن زال ذلك الاسم عنه زالت العقوبة عنه وروي أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بمكة ثم ندم فأرسل إلى قومه سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟ فأنزل الله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فكتبوا بها إليه

الصفحة 149