كتاب المعتصر من المختصر من مشكل الآثار (اسم الجزء: 2)

ولا نستطيع فأنزل الله عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} ، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فأنزل الله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} الآية فيه أن الصحابة فهموا مؤاخذتهم بالخواطر التي لا يقدر الإنسان على دفعها من نفسه فبين الله تعالى بقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} أي لا يكلف الله ما لا يملكه أن المراد بالإبداء والإخفاء المحاسب عليهما هو الإبداء الذي يقدر صاحبه على إخفائه والإخفاء الذي يقدر صاحبه على إظهاره لا الخواطر التي لا يملكونها ولا يستطيعون فيها إبداء ولا إخفاء وعن ابن عباس: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} من الشهادة وفيه نظر لأن كتمان الشهادة غير مغفور لأنه حق المشهود له ويرده قوله: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ومعنى {إِنْ نَسِينَا} أن تركنا من قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} لا النسيان الذي هو ضد الذكر لأنه غير مؤاخذ به وكذا قوله: {أَوْ أَخْطَأْنَا} ليس من الخطأ الذي هو ضد العمد لأنه غير مأخوذ به قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} بل هو من الخطاء الذي عمله قصدا في الخطيئة وله اختيار فيه ومنه قيل خطئت في كذا مهموز فبان أنهم سألوا في موضعه وأنه تعالى غفر لهم فيما كان له أخذهم بهما وعقوبتهم عليهما وهو المحمود على فضله ورحمته.
سورة آل عمران
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموهم فاحذروهم" ثم قرأ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} إلى قوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} ثم قال الراسخون في العلم هم الذين آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه، وعنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت الذين يجادلون فهم الذين عني الله عز وجل". المحكمات هي المتفق على تأويلها والمعقول معناها والمتشابهات هي المختلف في تأويلها والزيغ الجور عن الاستقامة والعدل والفتنة التي يتبعها أهل الزيغ هي فساد ذات البين التي يكون عنها القتل والشحناء.

الصفحة 164