كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
102…
في عطائه ". وقوله: فزاد عُمَرُ في عطائه: لا يعني أنه كافأة على ترك الشعر ولكنه كافأه على زيادة عنايته بالقرآن، وكان عُمْرُ يوصي الولاة بزيادة عطاء القْرّاء.
(جـ) ويمكن تقسيم أخبار (1) عمر الأدبية إلى الأقسام التالية، وكلها مشمولة في باب النقد الأدبي.
الأول: عمر بن الخطاب الناقد: وفي هذا القسم روى ابن سلاّم عن ابن عباس قال: قال لي عمر: أنشدني لأشعر شعراتكم، قلتُ: مَنْ هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير.
قلتُ: وكان كذلك! قال: كان لا يعاظِلُ بين الكلام ولا يَتْبَعُ وحشيَّه، ولا يمدحُ الرجل إلا بما فيه ".
والمعاظلة: أن يعقّد الكلام ويوالي بعضه فوق بعض حتى يتداخل، ويغمض، وحوشي الكلام: وحشيّه وغريبه.
وإذا صح هذا الخبر، فإنه يضع أصول الشعر الذي يرضى عنه الإسلام: وهو الشعر الواضح المعنى، القريب المفردات، الصادق البعيد عن المبالغة ... لأن الشعر يدعو إلى قضية، ويخاطب جمهور الناس، ولا بدَّ أن يكون مفهوماً ... وهو أسلوب يأخذ النهج القرآني، والسنة النبوية.
وروى الجاحظ في " البيان والتبيين [71/ 1] " أن سُحيماً عبد بني الحسحاس أنشد عمر بن الخطاب قصيدته التي أوّلها: عُمَيرةَ وَدِّعْ إن تجهزت غادياً كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهياً .. فقال له عُمَرُ: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتُك، فقال له: ما سعرتُ يريد، ما شعرت، جعل الشين المعجمية سيناً غير معجمة، وكان عبداً أسود يرتضخ لكنة حبشية. …
__________
(1) نروي هذه الأخبار كما جاءت في كتب الأدب، لا على أنها صحيحة في نسبتها إلى عمر، ولكنها قد تؤرخ للحركة الأدبية في هذا العصر، على أنها موجودة في العصر دون تحقيق نسبتها أو إسنادها. وسوف أخصُّ قسماً منها بالنقد تحت عنوان " القصص الأدبي ".