كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
103…وروى ابن سلام أن عُمَرَ قال له: لو قُلْتَ شعرك مثل هذا أعطيتك عليه ... وأظنُّ أن رواية ابن سلاّم هي الأقرب إلى الصحّة، لأنَّ عُمَرَ لا يخفى عليه أن الواو لمطلق الجمع ولا توجب الترتيب، وأن تقديم الشيب إنما جلبه الوزن (1) وروى الجاحظ في "البيان والتبيين " [29/ 2] قال أبو الحسن: أجرى رسول الله الخيل وسبّقه بينها، فجاء فرسٌ له أدهمُ سابقاً، فجثا رسول الله على ركبتيه وقال " ما هو إلا بحر " (2) فقال عمر بن الخطاب: كذب الحطيئة حيث يقول: وإنَّ جيادَ الخيل لا تستفزُّنا ولا جاعلات العاج فوق المعاصم…
__________
(1) ويؤيد هذا، ما نقله ابن حجر في " الإصابة " عن البخاري في الأدب المفرد، أن عُمَرَ قال له عقب سماع البيت " حسبك، صدقت صدقت " .. ولعلّ الذين رووا قول عمر بأنه تمنى تقديم الإسلام على الشيب، متأثرا ً بما رواه أبو الفرج والمرزباني، أن سحيماً أدرك النبيّ ص، وأنه تمثل بشيء من شعره، فقال: " كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً" فقال أبو بكر، إنما قال الشاعر: " كفى الشيب و الإسلام للمرء ناهياً" فأعادها النبيّ صلى الله عليه وسلم كالأول، فقال أبو بكر: " أشهد أنك لرسول الله، وما علمناه الشعر وما ينبغي له ".
وهذا الخبر إن صحَّ، يكون خاصاً برواية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرواة يذكرون أن رسول الله لا يتمثل ببيت، إلا زاد فيه، أو قدّم وأخّر لئلا يكون موزوناً، والدليل على ذلك، أن أبا بكر ـ كما تقول الرواية: قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال الشاعر كذا (وذكر نصف البيت موزوناً) بالترتيب الذي قاله الشاعر. هذا وقد ترجم ابن حجر في الإصابة لسحيم، وذكر أنه قُتل في عهد عثمان لتصريحه بلقاء فتيات مواليه، وإفحاشه في غزله، ولم يُقْتل حَدّاً. وانظر قصة الشاعر وقصة هذا البيت في " شرح أبيات المغنى " [238/ 2] فالبيت من شواهد النحو لحذف باء فاعل كفى، التي تزاد للتوكيد، وقد جاء فاعل "كفى" مجروراُ بالباء في القرآن، قال تعالى: (وكفى بالله شهيداُ). [النساء: 73]. هذا، وإن خبر تمثُّل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببيت سحيم، ضعيف جداً، وقد يكون موضوعاً، وأخبار سحيم كلُّها مضطربة وضعيفة.
(2) لم أعرف راوي الحديث بهذا اللفظ، وفي البخاري: " كان فزعٌ بالمدينة، فاستعار النبي فرساً .. فلما رجع قال: ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحراً " [كتاب الهبة باب 33].