كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

105…
الثاني: من أخبار عمر بن الخطاب الأدبية: أنه كان يستمع لمن ينشده، ويظهر إعجابه أو استهجانه.
ومن ذلك، ما رواه الجاحظ في "البيان والتبيين 240/ 1": قال: ولقد أنشدوا عمر بن الخطاب شعراً لزهير ـ وكان لشعره مقدِّماً، فلما انتهوا إلى قوله:
وإنَّ الحقَّ مَقْطَعُهُ ثلاثٌ يمينٌ أو نفارٌ أو جلاءٌ
.. قال عُمر كالمتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها ـ وإقامته أقسامها وإنَّ الحقَّ ... البيت " يردد البيت من التعجب.
وأنشده قصيدة عَبْدَةَ بن الطبيب الطويل التي على اللام، فلما بلغ المنشد إلى قوله:
والمرءُ ساعٍ لشيء ليس يدركُه والعيشُ شُحٌّ وإشفاقٌ وتأميلُ
قال عُمرُ متعجباً: " والعيشُ شحٌّ وإشفاقٌ وتأميل ".
يُعجّبهم من حُسْن ما قَسَّم وما فصَّل.
وأنشدوه قصيدة أبي قيس بن الأسلت التي على العين وهو ساكت، فلما انتهى المنشد إلى قوله: الكَيْسُ والقوَّةُ خيرٌ من الـ إشفاق والفهَّة والهاع (1) …
__________
(1) البيت من المفضلية رقم 75، ومطلعها:
قالتْ ولم تقصِدْ لِقيلِ الخنا مَهْلاً فقد أبلغت إسماعي
.. أي: لم تعدل بقول الخنا.
ويروي البيت الشاهد:
الحزم والقوة خير من الـ إدهان والفهة والهاع
.. والإدهان: المتافقة، والفهة: الضعف.
والهاع: شدّة الحرص.
والشاعر، أنصاري كان رئيس الأوس .. قيل أنه أسلم، وقيل إنه وعد بالإسلام ثم سبق إليه الموت فلم يسلم.

الصفحة 105