كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

11…فقال: " أبو بكر وعمر ". وفي رواية أخرى: " كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون على عهد رسول الله " ... وفي رواية أضاف إليهم، عبد الرحمن بن عوف .. ومن النماذج المذكورة في التدريب العملي، قصة معاذ بن جبل عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قال معاذ: لما بعثني رسول الله إلى اليمن، قال لي: بم تقضي إن عرض قضاء، قال: قلتُ: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: قلتُ: أقضي بما قضى به الرسول، قال: فإن لم يكن فيما قضى به الرسولُ؟ قال: قلتُ: أجتهد ُرأيي ولا آلو! قال: فضرب صدري، وقال: الحمد لله الذي وفّقَ رسول رسولِ الله، لما يُرضي رسول الله (1).
وكانت الأنظار تتجه إلى المدينة في الحياة النبوية، واتجهت إليها الأنظار بعد وفاته، لأنها تضمُّ الصحاية الذين رافقوا نبيَّ الله إلى آخر ساعة من حياته وفيها أهلُ السابقة إلى الإسلام، وأهل الجهاد: وفي المدينة المهاجرون، وجلُّهم من قريش، والأنصار، ويغلب عليهم الأوس والخزرج .. وفي الفريقين كفاءَ ة، وجهاد، وفقه وفَضْل، وللمهاجرين مناقبُ عالية، وللأنصار مناقب كثيرة ... ولكن يظهرُ من أقوال رسول الله وأفعاله ـ في الإمارة والقيادة ـ أنَّ الإمارة، لا يتولاها، مَنْ كثرت مناقبه التي تُعلى درجاته في الجنة فقط، فلا بدَّ مع ذلك من شروط أُخرى، تجعل الرجلَ صالحاً للإمارة والقيادة.
ففي الإمارة الصغرى: استعمل الرسول عليه السلام عدداَ من العمال، وكان في الصحابة مَنْ هو أقدم إسلاماً، وأعلى مرتبةً في الدين والجهاد. فاستعمل عتاب بن أُسيد على مكة، وقد أسلم عام الفتح. واستعمل أبا سفيان بن حرب …
__________
(1) قصة إرسال معاذ بن جبل إلى اليمن، وما أوصى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معاذاً رواه البخاري في ك 64 ب 6 وك 93 ب 23، وفي أماكن أخرى ورواها مسلم ك 1 حديث 29، 31. ولكن ليس فيها هذا الحوار حول القضاء. وسوف يأتي عند الحديث على رسالة عمر إلى أبي موسى، أن حديث معاذ في القضاء ليس له سندُ صحيح، والله أعلم.

الصفحة 11