كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

111…
ما آثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بك الإثر (1)
.. قال ابن حجر في عقب الأبيات: فبكى عُمَرُ، فشفع فيه عمرو بن العاص فأطلقه.
أقول: لقد بكى عُمَرُ في القصص الثلاث التي نقلناها (2)، فما الذي أبكاه؟ لا شك أن مضمون كل قصة يدعو إلى الرّقة والعطف .. ، لكني لا أشكُّ أن الأسلوب الشعري الذي عُرِضت فيه القصص الثلاث كان له نأثير كبير في نفس عُمر.
فعمر بن الخطاب الذي كانت الكلمة الموحية سبباً في إيمانه وإسلامه، هو عمر الذي يهتز للكلمة التي تحمل معاني الخير عندما ينطق بها شاعر.
حيث تتفق الروايات على أن بداية إسلام عمر، سماعه آيات من سورة طه أو من غيرها، فتأثر بها وعرف أنها ليست من كلام البشر، فذهب إلى النبي وآمن برسالته، ولعلَّ هذا معنى قول بعضهم ـ من الذاكرة ـ يفرق بين إيمان أبي بكر وإيمان عمر، إن أبا بكر آمن بمحمد النبيّ، وأمّا عُمَر فآمن بالنبيّ محمد، يريد أن عمر، عرف صدق القرآن أولاً، فصدّق به محمداً عليه الصلاة والسلام، وأما أبو بكر فعرف الصدق من محمد ص، لشدة لصوقه به، وكثرة مصاحبته له قبل الإسلام، فعرف به أن كل ما يخبر به صادق.
الخامس: من أقسام أخبار عمر الأدبية: الحكومةُ بين الشعراء وخصومهم .. والقصص المروي في هذا الباب، في موضع الهجاء بخاصة: فهو يجمع بين الحكومة الأدبية، والحكومة الشرعية، فالشاعر يهجو قوماً، فيرفع هؤلاءِ الأمر إلى الخليفة عمر، بتهمة القذف، ولكن أسلوب الشعر لا يكون…
__________
(1) آثروك: فضلوك وقدموك على أنفسهم. والإثر، بكسر ففتح، جمع إثرة، وهي الخيرة والإيثار، أي: آثروا أنفسهم وضمنوا لها الخير بولايتك تحمل عنهم المؤونة وترد عليهم فضل تدبيرك وعقلك وجزمك.
(2) وانظر قصة شيبان بن المخبّل السعدي في [الإصابة 169/ 2].

الصفحة 111