كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

114…
عيالي وأصفيه مدحي، فقال: قد لقيتَه، قال: مَنْ؟ قال: أنا. قال: مَنْ أنت؟ قال: الزبرقان بن بدر، فَسِرْ إلى أُمِّ بدرة ـ وهي امرأة الزبرقان ـ بكتابي، فسار إليها، فبلغ ذلك بغيض بن عامر وإخوته وبني عمّه، منهم بغيض بن شماس، وعلقمة بن هوذة .. وشماس بن لأي، وغيرهم، وكانوا ينازعون الزبرقان بن بَدْرَة، أن الزبرقان يريد أن يتزوج بنت الحطيئة، ولذلك أمرك أنْ تكرميه، فجفتْهُ أم بدرة، فأرسل بغيض وأهله إلى الحطيئة، أن ائتنا، فنحن أحسنُ لك جواراً من الزبرقان وأطعموه، ووعدوه، فتحوّل إليهم، فلما جاء الزبرقان بلغة الخبر، فركب إليهم، فقال لهم: ردّوا عليَّ جاري، فأبَوْا، حتى كاد أنْ يكون بينهم حرب فحضرهم أهل الحيّ، فاصطلحوا على أن يخيّروه، فاختار بغيضاً ورهْطَه ويقال: إن الزبرقان استعدى عليهم عُمَر فأمرهم أن يخيروه .. فجل الحطيئة يمدحهم من غير أن يتعرض للزبرقان، فلم يزل كذلك، حتى أرسل الزبرقان إلى شاعر من النمر بن قاسط، يُقال له: دثار بن شيبان، فهجا بغيضاً وآل بيته، فلما سمع الحطيئة شعر دثارٍ، حمي لجيرانه، فقال قصيدته التي جاء فيها:
ما كان ذنبُ بغيض لا أبالكُمُ في بائس جاء يحدو آخر الناس
ما كان ذنب بغيض أنْ رأى رجلاً ذا فاقةٍ حلَّ في مستوعرٍ شاس
مَنْ يفعل الخير لا يَعْدَمْ جوازيه لن يذهبَ العُرْفُ بين اللَّهِ والناس
وجاء فيها، يخاطب الزبرقان، وكان سبب الحكومة:
دع المكارم لا ترحلْ لبُغْيَتها واقعد فإنك أنت الطاعمُ الكاسي (1) …
__________
(1) الطاعم الكاسي: قبل إنها على وزن الفاعل، وأراد بها اسم المفعول، يريد أنه عاجز عن كسب قوته ولباسه، وأنه من ضعفة القوم.
وقيل: الطاعم الكاسي: أتى على النسب، أي: نسبه إلى الطعام والكساء أي: صاحب طعام تشتهيه وكسوة تتخيرها وتأنق فيها، ويشهد لهذا التفسير قول الزبرقان: أو ما تبلغ مروءَتي إلا أن آكل وألبس.

الصفحة 114