كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

13…قريش، فصدق أن كافرهم كان تبعاً لكافرهم، وصار مسلمهم تبعاً لمسلمهم" [الفتح 530/ 6].
ويشهدُ لذلك، القصّة الحيّة، التي رواها البخاري عن عمرو بن سَلِمَةَ ابن قيس الجَرْمي قال: "كُنَّا بماءٍ (1) ممرَُِّ (ثلاثة وجوه) وكان يمرُّ بنا الركبان فنسألهم: ما للناسِ، ما للناسِ؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعمُ أن الله أرسله أُوحي إليه، أو أوحى اللَّهُ بكذا، فكنتُ أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقرُّ في صدري.
وكان العربُ تَلَوَّم (تنتظر) بإسلامهم الفتح، يقولون: اتركوه وقومه، فإنْ ظهر عليهم، فهو نبيٌّ صادق، فلما كانت وقعةُ أهل الفتح - فتح مكة - بادر كلُّ قومٍ بإسلامهم، وبَدَر أبي قومي بإسلامهم .. الحديث. [كتاب المغازي باب 53].
ولذلك تجد جُلَّ وفود العرب على النبي صلى الله عليه وسلم، كان في السنة التاسعة، بعد فتح مكة [انظر الطبقات لابن سعد جـ 1، باب الوفود].
وعندما رأى الناسُ فيما بَعْدُ، زوال الخلافة عن قريش، وتغلب العجم، وغير قريش على الأمر، أخذ العلماءُ يقدّمون التأويلات المناسبة لصحة كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وبقاء تطبيقه على مرّ العصور، وفتشوا في أنساب الأمراء والحكام، …
__________
(1) قوله: كُنّا بماءٍ: لم يحدد الرواة مكان الماء .. ولكن بني جَرْم بن ربَّان بن حُلْوان، كان منهم طائفة باليمامة في نجد، وطائفة في الشام، ومن الطائفتين صحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ويؤخذ من كلام أهل الأنساب أن عمرو بن سلمة الجرمي، كان من أهل الشام في الجاهلية. قال ابن حزم: ومن بطون بني طرود (من جرم) بيهس بن صهيب قاتل الأزارقة وله عقب بالشام، ومنهم: عمرو بن عبد الجن الذي كان مع عمرو بن عديّ مع قصير بالحيرة. ومن جرم هؤلاء عمرو بن سلمة بن قيس الذي أمَّ قومه وهو ابن سبع سنين .. وقال كحّالة في معجم قبائل العرب: جَرْم بن ربان بطن من قضاعة من أفخاذهم، بنو طرود .. فيهم كثير من الصحابة، كانت منازلهم ما بين غزّة وجبال الشراة من جبال الكرك" فهل وفدوا على رسول الله من هذه النواحي، أم هاجروا بعد الإسلام إليها، وكانت وفادتهم من اليمامة؟ ـ ومهما كان المكان .. فقد قرّبنا، وحصرنا جغرافية "الماء" بهذا التعريف.

الصفحة 13