كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

14…فقالوا فلان هاشمي، وفلان قرشي .. الخ ولكن الذي أعجبني في تفسير معنى اشتراط "القرشية" في الخليفة، كلام ذكره ابن خلدون في مقدمته، فابن خلدون، مع ما وقع فيه من الأخطاء في اجتهاداته، له إضاءات مفيدة في مقدمته، حيث يقول في حكمة اشتراط "القرشية" في الخلافة "إنَّ الأحكام الشرعية كلها لا بدَّ لها من مقاصد وحكم تشتمل عليها وتشرع لأجلها، ونحن إذا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي، ومقصد الشرع منه، لم يقتصر فيه على التبرّك بوصلة النبيّ صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور، وإن كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصلاً، لكنَّ التبرك ليس من المقاصد الشرعية، فلا بدّ َ إذن من المصلحة في اشتراط النسب، وهي المقصودة، من مشروعيتها، وإذا سبرْنا، لم نجد إلا اعتبار العصبيّة التي تكون بها الحماية والمطالبة، ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب، فتسكن إليه الملّة وأهلها وينتظم حبل الأُلفة فيها، وذلك أن قُريشاً كانوا عصبة مُضر وأصلهم وأهل الغلب منهم، وكان لهم على سائر مُضَر العزّة بالكثرة والعصبية والشرف، فكان سائر العرب يعترف لهم بذلك ويستكينون لغلبهم، فلو جُعل الأمرُ في سواهم لتُوقِّع افتراقُ الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم .. وقال: فإذا ثبت أنَّ اشتراط القرشية إنما هو الهدف لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب وعلمنا أن الشارع لا يخصُّ الأحكام بجيل ولا عصرٍ ولا أُمةِ علمنا أن ذلك إنما هو من "الكفاية".
4 - ويظهر أن الحكمة من كون الخليفة قرشياً، غابت عن بعض الصحابة من الأنصار من هول مفاجأة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتأثيرها في النفوس، أو أن إخبار النبي بأن يكون الخليفة من قريش لم يصلهم، ولذلك تروي كتب الحديث أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة في أثر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهمّوا أن يبايعوا سعد بن عبادة ورسول الله مسَجّى لم يُدفنْ بَعْدُ.
فلما علم أبو بكر وعمر بالقصة ذهبا بصحبة أبي عبيدة إلى السقفية، وأدركوا خطيب الأنصار وهو يذكر مناقب الأنصار .. وقالت الأنصار للمهاجرين: "منا أمير ومنكم أمير" فقال أبو بكر: بل…

الصفحة 14